كوابيس الحرب تلاحق الطفلة ميار

منصة أطفال اليمن - نورا فهد
"كان وجهها مصفر، وشفتاها مسودة، ولم تلقَ ابنتي عافيتها من بعد ذلك اليوم"، بهذه الكلمات تصف أم ميار حالة ابنتها البالغة من العمر 12 عامًا عند سقوط قذيفة بالقرب من منزلهم الواقع في حي اللجينات وسط مدينة تعز، عام 2019م.
تروي أم ميار لـ "منصة أطفال اليمن" ما حدث في ذلك اليوم، قائلةً:" قبل وقوع القذيفة بدقائق كنت أجهز طعام العشاء، وكانت ميار في صالة المنزل تتابع التلفاز، وفجأة سمعنا صوت انفجار كبير حتى ان بعض زجاجات نوافذ البيت تكسرت من قوة الانفجار"
وتتابع حديثها:" ما زلت أتذكر حالة ميار بعد سقوط القذيفة وهي تحضنني بقوة ويداها ترتعش من شدة الخوف"
وتقول أم ميار، أن ابنتها بعد هذه الحادثة باتت تعاني من القلق والخوف الشديد من البقاء بمفردها ومن الكوابيس المتكررة.
آثـارٌ ممتـدة
تعتبر الحرب واحدة من أشد الأزمات الإنسانية التي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على جميع فئات المجتمع، إلا أن الأطفال هم الأكثر تضررًا، فهم الفئة الأكثر ضعفًا وهشاشة، وأقل قدرة على مواجهة الصدمات التي تسببها الحروب.
تتجاوز آثار الحروب على الأطفال الجوانب الجسدية لتشمل آثارًا نفسية واجتماعية عميقة تؤثر على نموهم وتطورهم، وتنقسم هذه الآثار إلى آثار قصيرة وطويلة المدى.
يسرد أستاذ الصحة النفسية للأطفال بجامعة تعز، جبريل البريهي لـ "منصة أطفال اليمن"، الآثار النفسية قصيرة المدى، بداية بالصدمة الحادة، والتي يتسم الطفل الذي يتعرض لها بالخوف الشديد والارتباك نتيجة للأحداث المفاجئة، بالإضافة إلى الشعور بالقلق والتوتر الناتج عن زيادة مشاعر الخوف من المستقبل أو المواقف المتكررة.
ويضيف البريهي أنه قد تظهر بعض الأعراض السلوكية على الأطفال المتأثرين نفسيًا من الحرب مثل الكوابيس واضطرابات النوم، الانسحاب الاجتماعي، والتبول اللاإرادي، بالإضافة إلى صعوبة التركيز وتراجع أدائهم الدراسي.
تؤكد الإخصائية النفسية، شيماء سلطان، حديث الأكاديمي جبريل البريهي، وتوضح من جهتها الآثار طويلة المدى، ومنها ميل الأطفال للعنف أو السلوك العدواني، واصابتهم باضطرابات الثقة، موضحةً ذلك بأن الأطفال الذين فقدوا أهاليهم قد يجدون صعوبة في الثقة بالآخرين.
وتضيف أن من الآثار النفسية طويلة المدى إصابة الطفل بالاضطرابات السلوكية والاجتماعية، مثل اضطرابات الأكل، والإدمان، والصعوبة في بناء علاقات صحية مع الآخرين.
وتشير شيماء في ختام حديثها لـ "منصة أطفال اليمن" أن الأثر قد يمتد إلى الأجيال القادمة، موضحة ذلك بقولها:" لا يقتصر الأثر النفسي على المستقبل القريب للأطفال الذين عانوا من صدمات الحرب، فمن الممكن أن ينقل هؤلاء الأطفال تجاربهم المؤلمة إلى أبناءهم مستقبلا عن طريق التربية".
للـتعافـي
لمساعدة هؤلاء الأطفال في التعافي والتغلب على صدمات الحرب، يذكر أستاذ الصحة النفسية للأطفال بجامعة تعز، جبريل البريهي، الحلول والمعالجات، ومنها التدخل النفسي المبكر من خلال تقديم الدعم النفسي للأطفال مباشرة بعد حدوث الصدمات المؤلمة للحد من آثارها.
ويؤكد البريهي على دور الأسرة والمدرسة في عملية التعافي، من خلال تدريب الأهل والمعلمين على كيفية التعامل مع الأطفال المتأثرين بالحرب، واستخدام اللعب كوسيلة لمعالجة الصدمات وتحسين قدرتهم على التكيف.
تتفق مع ذلك رئيس منصة اكسير الطفولة، آية خالد، حيث تقول في حديثها لـ "منصة أطفال اليمن" ان الطفل المتأثر نفسيًا بحاجة لأم وأب مستمعين جيدين، مضيفةً أنه يجب تفعيل أدوار الاخصائيين الاجتماعيين في المدرسة، وتقديم الدعم النفسي المباشر للطفل من طبيب أو أخصائي متخصص لتخفيف أعباء الحرب عليه.
وإلى مجمل الحلول والمعالجات السابقة، تشير الأخصائية النفسية، شيماء سلطان، إلى ضرورة إعادة تأهيل هؤلاء الأطفال من خلال توفير برامج تعليمية لتعويضهم ما فاتهم، بالإضافة إلى خلق بيئة آمنة ومستقرة لهم.
طبيبًا واحدًا لنصف مليون!
على الرغم من مرور 5 سنوات من الحادثة، تقول والدة الطفلة ميار أن آثارها على ابنتها ما زالت باقية، مضيفةً أنها لم تجد طبيبًا نفسيًّا مختصًا لمعالجة ابنتها، وهو ما زاد الأمر سوءًا، حد تعبيرها.
قصة ميار واحدة من آلاف قصص الأطفال اليمنيين الذين عايشوا فظائع الحرب، وشهدوا أحداثًا مروعة تركت آثارًا نفسية عميقة في نفوسهم.
بحسب منظمة اليونيسف هناك أكثر من 11 مليون طفل يمني بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية، بما في ذلك الآلاف ممن يحتاجون خدمات الدعم النفسي، نتيجة الآثار الخطيرة التي خلفها النزاع في اليمن.
من جهتها تقول رئيس منصة إكسير للطفولة، آية خالد، لـ "منصة أطفال اليمن" أنه بحسب إحصائية للمنصة لعام 2022م، بلغ عدد الأطفال الذين هم بحاجة للدعم النفسي في اليمن 60٪، مستطردةً بقولها، خاصة الأطفال الذين فقدوا أحد أفراد عائلتهم في الحرب.
وما يفاقم هذه المشكلة، هو ندرة الأطباء النفسيين في اليمن، فبحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية بلغ عدد الأطباء النفسيين في اليمن 58 طبيبًا نفسيًّا و120 أخصائي نفسي في البلاد حتى عام 2020، ما يعني توفر طبيب نفسي واحد لكل نصف مليون شخص.
لمـاذا؟!
يُعيد أستاذ الصحة النفسية للطفل، بجامعة تعز، جبريل البريهي، ندرة الأطباء النفسيين في اليمن إلى عدة أسباب، منها التدهور الاقتصادي المتمثل بنقص الموارد المالية لدعم التعليم والتدريب الطبي المتخصص.
ويضيف البريهي لـ "منصة أطفال اليمن" أن هجرة الكفاءات العلمية نتيجة لانعدام الأمن والاستقرار في البلاد، وضعف النظام التعليمي والتدريبي مثل قلة الجامعات والمراكز التي تقدم برامج تدريب متقدمة في الصحة النفسية تعد هي الأخرى عوامل أساسية لندرة هؤلاء الأطباء في اليمن.
من جهتها تضيف الأخصائية النفسية، شيماء سلطان، سببًا آخر، وهو الوصمة الاجتماعية، موضحة بالقول: "هناك قلة في الإقبال من قبل الأطباء على التخصص خوفًا من عدم التقدير والقبول، وذلك نتيجة النظرة المجتمعية السلبية تجاه العلاج النفسي".