عمالة الأطفال في اليمن: واقع مرير وتداعيات خطيرة

نقرير: ريهام السماوي
مشكلة عمالة الأطفال مشكلة عالمية تشكل انتهاكا كبيرا لحقوق الطفل، حيث يشير تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية لعام ٢٠٢٠م أن هناك ما يقارب 160 مليون طفل عامل في العالم، مشيرا الى وجود ارتفاع هو الأول من نوعه منذ عقدين من الزمن في عمالة الأطفال عبر العالم، إذ يؤكد التقرير أن عدد الأطفال العاملين ارتفع بنحو 8.4 مليون طفل عامل خلال الـ4 سنوات الماضية، وتتباين درجة مشاركة الأطفال في العمل تبايناً كبيراً في جميع أنحاء المنطقة العربية، حيث أظهرت السودان واليمن أعلى معدلات عمل الأطفال (19.2 بالمائة و34.8 بالمائة على التوالي).
وأظهر التقرير أن قطاع الزراعة يشغل 70 بالمئة من الأطفال العاملين (112 مليوناً) يليه 20 بالمئة في الخدمات (31.4 مليوناً) و10 بالمئة في الصناعة (16.5 مليوناً). ويبين التقرير أن عمل الأطفال في المناطق الريفية (14 بالمئة) أعلى بثلاث مرات مما هو عليه في المناطق الحضرية (5 بالمئة).
أما تقرير اليونيسف الصادر في يوليو 2021 فقد أشار إلى أن الحرب الحاصلة في اليمن قد دفعت أكثر من مليوني طفل للخروج من المدارس بشكل مباشر، وأن أكثرهم بحاجة إلى دعم تعليمي طارئ ومجموعة من المشاريع التي تضمن استمرار التعليم المنظم في حالات الأزمات.
قصة يوسف
لقد انقلبت الحياة راسا على عقب، هكذا بدا الطفل يوسف حديثه عن حياته بعد وفاة والده، حيث وجد ذو الـ 13 عاما نفسه مجبرا على العمل على الدراجة النارية الخاصة بوالده المتوفى من أجل إعالة أسرته وتوفير القوت اليومي وإيجار المنزل.
توجب على يوسف ترك المدرسة في الصف السادس كونه أكبر إخوانه، حتى يتسنى له توفير متطلبات 4 إخوة وأخوات، الأمر الذي نقل حياة يوسف من الطفولة إلى الكبر.
أما الطفل بشار البالغ من العمر 11 عاما، يعمل على الميزان داخل جامعة صنعاء يقول لـ “منصة أطفال اليمن" إنه اضطر للعمل حتى يساعد والده على إيجار المنزل، إذ يعمل والد بشار ببيع القلاء والعتر في جولة الدائري، وهي من البقوليات المعروفة والتي يمكن قليها وتناولها مباشرة، وهو الأمر الذي يجعل توفير متطلبات أسرته صعبا.
وعلى الرغم مما يعانيه الطفل بشار إلا أنه لم يتخلى عن دراسته في الصف الرابع، حيث يتلقى تعليمه صباحا، ومن بعد الظهيرة يباشر العمل بالميزان داخل الجامعة، ويطمح بشار أن يصبح طبيبا.
قصة أخرى
يشير الطفل أنيس ذو الـ 10 أعوام والذي يعمل في بيع البيض في جولة الدائري والمعلم أن سبب خروجه للعمل هو إعالة اسرته المكونة من 5 إخوه ووالديه.
ويوضح أنيس: أن والده معتمد عليه وعلى شقيقه الآخر الذي يعمل أيضا في بيع البيض في جولة الدائري لتوفير متطلباته ومنها القات والسيجارة!
وعلى الرغم مما يعانيه أنيس من ظروف حياة قاسية ومن والده إلا انه لم يتخلى عن دراسته في الصف الثالث.
نتيجة ما تعانيه اليمن منذ عام 2015م من حروب وصراعات وأزمات اقتصادية، أصبح هناك العديد من الأطفال العاملين في شتى أنواع الأعمال، فمنهم من يعمل في البيع عند الجولات والجامعات وغيرها، ومنهم من يعمل في البسطات والمحلات، ونوع آخر يعمل في غسل السيارات، وآخرون يعملون في أعمال شاقة مثل البناء والطرق والبعض انخرط في التجنيد، واخرون يتم استخدامهم للتسول بغية توفير لقمة العيش لأسرهم.
نصيب الفتيات
لم يقتصر العمل على الأطفال الذكور فقط، بل هناك حضورا واضحا للفتيات دون سن الـ 16 عاما اللواتي يعملن في شتى أنواع عمالة الأطفال.
تعرف الأمم المتحدة عمالة الأطفال بأنها: (العمل الذي يحرم الأطفال من طفولتهم وإمكاناتهم وينال من كرامتهم ويضر بنموهم البدني والنفسي والذي يشكل خطرا نفسيا أو بدنيا أو اجتماعيا أو يضر أخلاقيا بالأطفال ويؤثر سلبا على دراستهم).
ماذا تعني الطفولة؟!! لم اشعر بها قط، بهذه الكلمات عبرت الطفلة فاطمة (اسم مستعار) عن مدى معاناتها، حيث تبلغ من العمر 11عاما.
وضحت فاطمة أنها تعمل في بيع المناديل متنقلة بين جولة ريماس والمصباحي، باحثة عن قوت يومها لكي تساعد والدتها المطلقة وإخوانها الثلاثة الأصغر منها على توفير متطلباتهم وإيجار المنزل.
وتشير فاطمة الى أنها تخلت عن تعليمها بسبب الظروف المادية التي تعيشها.
من جهتها تقول الطفلة رندا صالح (اسم مستعار) والبالغة من العمر 9 سنوات انها تعمل لمساعدة والدها في إيجار المنزل ومصاريف دراستها، حيث أنها في الصف الثالث ولديها أختان أصغر منها. وتعمل رندا في بيع البيض عند أحد المحلات بمنطقة شعوب.
مخاطر عمل الاطفال
تجدر الإشارة الى أنه لا يعرف العدد الحقيقي للأطفال من ذكور واناث الملتحقين بسوق العمل والمبتعدين عن التعليم، الا ان هؤلاء الأطفال بمختلف أعمارهم وتنوع أعمالهم يتعرضون لأنواع شتى من المضايقات والمخاطر فمنهم من يصاب بالكسور او الاختناق أو الأراض الجلدية وكذلك إعاقات جسدية كلا حسب عمله.
يذكر الطفل يوسف سائق الدراجة النارية أنه قد تعرض للعديد من الانقلابات بدراجته النارية واثناء هذه الانقلابات تعرض لكسر في يده وحروق في رجليه وذلك بسبب ضعف بنيته وعدم قدرته الكافية للتحكم بالدراجة.
ويضيف هناك من أوصلته مشوارا ولم يحاسبني قيمة المشوار وغيرها الكثير من المخاطر.
ومن جهته يقول الطفل بشار انه قد تعرض لكسر الميزان الذي يعمل عليه من قبل أحد الشبان في الجامعة، بالإضافة الى من يوزن ولا يعطيني مقابل ذلك.
اما الطفل أنيس فقد تعرض أكثر من مرة لكسر طبق البيض الذي يحمله، كما تعرض للسرقة من قبل أطفال أكبر منه، وأيضا من يأكل البيض منه بدون مقابل وذلك بسبب صغر سنه وعدم مقدرته على الدفاع عن نفسه.
ومن جهتها تقول الطفلة فاطمة ان تعرضت للمضايقة من قبل بعض الشبان، وتشير لخطورة المرور بين السيارات واحتمالية الاصطدام بها أثناء العمل.
بينما توضح رندا تعرضها لكسر البيض أكثر من مره، وصعوبة تحمل الشمس والحرارة اثناء العمل.
حماية الأطفال
عمالة الأطفال هي السبب الرئيس في حرمان الأطفال من التعليم وقد أظهرت منظمة دولية معنية بالطفولة أن 4.5مليون طفل يمني خارج المدارس، وهو ما يسبب زيادة الأمية في البلاد، ويعمل كذلك على تأخر نمو وتطور البلاد، وللتعريف بخطورة هذه الظاهرة يتم الاحتفاء باليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال في 12 حزيران/يونيو من كل عام.
أشارت أستاذة علم النفس الاجتماعي د. نجاة صائم، أنه حتى عام 2011 كانت هناك جهود مبذولة سواء من الجهات الرسمية وعلى رأسها المجلس الأعلى للأمومة والطفولة أو من منظمات غير رسمية وهو ما نتج عنه قانون 45 لعام 2002م لحماية الطفولة بالرغم من الثغرات الموجودة فيه، لكن إصداره كان له دور كبير في معالجة كثير من قضايا الأطفال.
وتضيف أنه مع دخول البلاد في الصراعات السياسية والحروب المسلحة تم تعطيل كل الجهود المبذولة مسبقا، ففي حالات الحروب والصراعات تنتهك كل القوانين والأعراف والحقوق الإنسانية.
وتحذر صائم من أن الأطفال العاملين يتعرضون لأنواع عديده من العنف الجسدي والنفسي والجنسي، وفي كثير من الأحيان تكون ظروف العمل غير إنسانية مثل استغلالهم في تجارة المخدرات، وأيضا في التجنيد.
آثار نفسية
يذكر الأخصائي النفسي الإكلينيكي هاشم الحكيمي، أن لعمالة الأطفال تأثيرات سلبية في كل الجوانب الصحية والمعرفية والنفسية، حيث تتأثر صحة الطفل من ناحية التناسق العضوي والنمو الجسدي نتيجة للجروح والكدمات والوقوع من أماكن مرتفعة أو الاختناق من الغازات السامة والنزيف وغيرها حسب العمل الذي يقوم به.
ويضيف الحكيمي "أما من ناحية الجوانب المعرفية فقد يترك الطفل المدرسة أثناء توجهه للعمل وهو ما يفقده تطوره العلمي وانخفاض قدرته على القراءة والكتابة، ومن الناحية العاطفية فقد يفقد الطفل العامل احترامه لذاته وارتباطه الأسري وتقبله للآخرين وذلك جراء بعده عن الاسرة ونومه في مكان العمل وتعرضه للعنف من قبل صاحب العمل او زملائه.
ويحذر الحكيمي من المخاطر النفسية التي قد تصيب الأطفال العاملين منها الانطواء والشيخوخة المبكرة، الاكتئاب، الاتصال الضعيف مع الاسرة والأصدقاء، والخوف نتيجة العنف الجسدي والجنسي واللفظي.
حلول لتقليل عمالة الأطفال
من جهتها تشدد صائم لأجل حماية الطفولة يجب انهاء الحروب والصراعات السياسية واستعادة الدولة، وأيضا توعية الأهالي بأهمية تنظيم الاسرة ودورهم في الحفاظ على أطفالهم.
وتناشد منظمة المجتمع المدني ببذل الجهود الازمة لحماية الأطفال من الانتهاكات التي يتعرضون لها والعمل على إحلال السلام في البلاد.
كما يطالب الحكيمي المنظمات المحلية والخارجية بالقيام بدورها المفروض لحماية الأطفال من خلال القوانين والاتفاقيات التي صدرت خلال السنوات الماضية حتى تلبي متطلبات الاسرة والأطفال وتأهيلهم على العمل بما يتناسب مع قدراتهم.
ومن جانبه يؤكد على معالجة الفقر من خلال وجود شبكة من المجتمع لتسجيل عدد حالات الأطفال العاملين وتأمين احتياجاتهم ورسم خطط لإنقاذهم من العمالة، وذلك من خلال اللجوء للتجار ورجال الاعمال لتفعيل برامج حماية الأطفال وتعرضهم للعنف والاستغلال وسوء معاملتهم.
ويناشد الدولة على إيجاد حلول من خلال عمل القوانين التي تسن السن القانوني لعمل الأطفال والاعمال الممكنة حسب عمرهم، وكذلك منع المؤسسات الحكومية قبول الأطفال تحت السن القانوني ووضع القوانين والعقوبات لمن يخالف ذلك، وأيضا حث وزارة التربية والتعليم بالتعليم الاجباري للأطفال.
ويشدد الحكيمي على الحقوقيين والناشطين والمختصين بالعلوم الإنسانية والخدمة الاجتماعية بان يكون لهم دور بارز في المتابعة والنزولات الميدانية لمؤسسات الدولة لمعرفة الأطفال التي تستقطبهم هذه المؤسسات للعمل في مجال القوات المسلحة والامن (التجنيد) كما هو حاصل في الآونة الأخيرة بشكل كبير.