أطفال اليمن.. انتهاكات متزايدة وقصور في آليات الحماية
تقرير خاص لمنصة أطفال اليمن
تواجه الطفولة في اليمن واقعا حرجا، تكتنفه الكثير من التحديات والتفاصيل الصادمة، في ظل صراع مستمر لأكثر من عقد، تعرض خلاله الأطفال لأشكال الانتهاكات والحرمان والمعاناة التي ترافقت مع قصور في آليات وبرامج الحماية.
ذلك ما كشفت عنه مؤخرا دراسة معمقة صادرة عن التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان حملت عنوان "العدالة الانتقالية وانتهاكات حقوق الأطفال في اليمن"، أكدت أن أطفال اليمن هم الفئة الأكثر تضرراً من أزمة إنسانية غير مسبوقة، جراء الصراع الذي تشهده البلاد.
يستعرض هذا التقرير أبرز ما تضمنته هذه الدراسة، التي اعتمدت على تحليل قانوني ومسح ميداني شمل ضحايا وخبراء وممثلين عن الأحزاب السياسية.
▪️أطفال اليمن
فجوة قاتلة
الدراسة تدق ناقوس الخطر بشأن "فجوة قاتلة" بين الالتزامات القانونية وحماية الأطفال على أرض الواقع، مشددة على أن أي سلام مستقبلي لن يكتب له النجاح دون دمج قضايا الطفولة في مسار العدالة الانتقالية، مشيرة إلى أن "إنصاف الطفولة يمثل شرطاً لبناء سلام عادل ومستقبل مستقر"، ما يستدعي أن يقوم المجتمع الدولي والأطراف المحلية بتحمل مسؤولياتهم التاريخية تجاه جيل يدفع ثمناً باهظاً لصراع لم يكن له يد فيه.
قصور يكرس الإفلات من العقاب
تؤكد الدراسة بأن الإطار القانوني والمؤسسي لحماية الأطفال في اليمن يعاني من قصور هيكلي، فبالرغم من مصادقة اليمن على اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكول الاختياري بشأن إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة، إلا أن التطبيق الفعلي يظل ضعيفاً، حيث يرى أكثر من ثلثي المشاركين في الدراسة وتبلغ نسبتهم (73.3%) أن الإطار القانوني الحالي لا يوفر الحد الأدنى من الحماية، ما يشير إلى وجود ثغرات تشريعية خطيرة، أبرزها: عدم وجود تجريم صريح وواضح لتجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشرة، وعدم تناسب العقوبات المقررة لجرائم مثل العنف والاستغلال الجنسي مع جسامة الجريمة، مما يساهم في ظاهرة الإفلات من العقاب التي أشار إليها 96.9% من المشاركين كسبب رئيسي لاستمرار الانتهاكات.
كما أشارت إلى أن تضارب النصوص المتعلقة بالمسؤولية الجنائية للأحداث يعيق تطبيق العدالة، إذ يشير التحليل القانوني إلى أن هذه الثغرات، بالإضافة إلى غياب التنسيق المؤسسي (80%) وتعطيل البرلمان، جعلت خطط الحماية "رهينة" لدعم المانحين، بشكل أضعف استقلاليتها وفعاليتها.
طفولة هشة
توضح الدراسة أن الانتهاكات المرتكبة بحق الأطفال في اليمن تتخذ أنماطاً متعددة ومتباينة جغرافياً وسياسياً، لكنها تتفق في استهدافها المباشر للطفولة، ويتصدر التجنيد القسري قائمة الأنماط الأكثر انتشاراً، حيث أشار إليه 88.7% من المشاركين، ويتركز بشكل خاص على الأطفال الذكور في مناطق سيطرة الحوثيين.
وتلي هذه الانتهاكات جرائم القتل والإصابات المباشرة التي طالت 61.7% من الأطفال المتضررين، خاصة في مناطق الاشتباكات والقصف العشوائي.
إلى ذلك تكشفت الدراسة أن العنف الجنسي طال 51% من الأطفال المتضررين، وتعد الفتيات الفئة الأكثر تضرراً في هذا النوع من الانتهاكات الجسيمة، بالإضافة إلى جرائم اختطاف الأطفال 51.4%، والحرمان من المساعدة الإنسانية خاصة في المناطق النائية أو الخاضعة لسيطرة متغيرة 35.3%.
وشملت الانتهاكات كذلك استهداف المدارس والمستشفيات بنسبة 50%، ووفقا للدراسة فإن مجمل هذه الانتهاكات تغذي حلقة مفرغة من العنف والصدمات، حيث أشار المشاركون إلى أن الفتيات هن الأكثر تأثراً بالانتهاكات الجسيمة، يليهن فئة الأطفال ذوي الإعاقة، ثم النازحون والمهمشون.
ويكشف هذا التفاوت وفقا للدراسة عن أن عوامل مثل النوع الاجتماعي والموقع الجغرافي تزيد من هشاشة الطفل أمام الصراع.
تأثيرات مستقبلية
وفقا للدراسة فإن الآثار طويلة المدى تتجاوز تداعيات الانتهاكات المتمثل في الأذى الجسدي اللحظي لتشكل تهديداً وجودياً لمستقبل جيل كامل، حيث رصدت الآثار المترتبة على المديين القصير والطويل، وتصدر الصعوبات النفسية قائمة الآثار، تليها الآثار الجسدية على المدى القصير، وفقدان فرص التعليم والعمل على المدى الطويل.
وتتوقع الدراسة أن اضطراب العلاقات والعزلة الاجتماعية تزيد من خطر الانخراط المحتمل مجدداً في العنف في المستقبل، وتعد هذه الآثار، وخاصة الصعوبات النفسية المزمنة، تؤكد أن الأطفال المتضررين بحاجة ماسة إلى دعم نفسي واجتماعي مكثف، وبرامج إعادة إدماج فعالة لكسر دورة العنف.
فرصة أخيرة لإنصاف الطفولة
خلصت الدراسة إلى أن نجاح أي مسار للعدالة الانتقالية في اليمن مرهون بمدى قدرته على دمج قضايا الطفولة، مؤكدة أن المواقف السياسية تجاه العدالة الانتقالية "منقسمة"، حيث يرى البعض ضرورة التوثيق وجبر الضرر، بينما يظل إدماج قضايا الأطفال في أجندة المصالحة والتسويات السياسية موضع خلاف.
وبناء على ذلك ترى الدراسة بأنه يجب أن تكون العدالة الانتقالية صديقة للطفولة، مقترحة على الحكومة اليمنية إجراء إصلاحات تشريعية عاجلة لتجريم تجنيد الأطفال بشكل صريح ومراجعة العقوبات المحددة بذلك، كما اقترحت أن يتم إنشاء آليات محاسبة مستقلة وفعالة، مع ضمانات للاستقلال المالي والإداري وحماية الشهود والضحايا، وأن تتوفر كذلك خدمات الدعم النفسي والاجتماعي وبرامج إعادة الإدماج تراعي الفئات الأكثر هشاشة وعلى رأسها الفتيات والأطفال ذوو الإعاقة.