أطفال النازحين بين قساوة العيش والمستقبل المجهول

فبراير 8, 2025 - 18:45
فبراير 8, 2025 - 18:56
 0  30
أطفال النازحين بين قساوة العيش والمستقبل المجهول
أحد مخيمات النزوح بمحافظة مارب

منصة أطفال اليمن - محمد الوجيه

تُقرأ معاناتهم في عيونهم، وتُكتب قصصهم من خلال كلماتهم، أطفال سلبت ظروف الحرب براءتهم، كبلتهم مخيمات النزوح بعد أن فروا مع أسرهم هربًا من شظايا القذائف وأهوال الحرب، ليجدوا أنفسهم في مخيمات تفتقر لأبسط مقومات الحياة. 

في بلد يُصنَّف كأسوأ كارثة إنسانية يشهدها العالم، يقيم أكثر من 1.3 مليون طفل يمني في مخيمات النزوح بحسب تقديرات الأمم المتحدة ، يعيش جزء كبير منهم  في مخيمات محافظة مأرب أوضاع معيشية صعبة، ومعاناة مستمرة أدت إلى حرمانهم من أبسط الحقوق التي تُمنح لأي طفل آخر.

هموم وأعباء
يحمل محمد رضوان كيسًا من المناديل ويتجول به في الأسواق، عسى أن يجد من يشتري بضاعته ويعود إلى أبيه بمبلغ يُغطي جزءًا بسيطًا من احتياجات أسرته اليومية. 

حال محمد، وهو طفل في الثانية عشرة من عمره، كحال العشرات من الأطفال الذين لديهم قصصًا من البؤس والمعاناة التي أجبرتهم على العمل في سن مبكرة وترك مقاعد الدراسة، ومساعدة أسرهم بفتات يُبقيهم على قيد الحياة.

يتحدث محمد لمنصة "أطفال اليمن" قائلًا: إنه لا يذكر من ظروف نزوحه من مدينة تعز إلى محافظة مأرب سوى صوت القذيفة التي سقطت على منزلهم الكائن في حي صينة جنوب المدينة. حينها، كان محمد لا يتعدى الرابعة من عمره.

 يقول محمد: "تربيت في هذا المخيم ورأيت أبي يعمل بجد دون فائدة، فقررت أن أساعده حتى نعيش مثل بقية الناس."

آثار نفسية
نتيجة للتحديات اليومية التي يواجهونها، يعاني الأطفال في مخيمات النزوح من ارتفاع ملحوظ في مشكلات الصحة النفسية، مما يعكس الأثر النفسي الكبيرة الذي ولّدته الحرب الدائرة في البلاد منذ عشر سنوات، حيث يعاني الكثير منهم من القلق والاكتئاب وصعوبات التركيز.

تتحدث المرشدة النفسية مروة العواضي عن الآثار النفسية التي تولدها مخيمات النزوح على الأطفال، مشيرة إلى أن انقطاع الأطفال عن المدارس، والفقر، وعدم توفر احتياجاتهم الملائمة لفئاتهم العمرية في المخيمات، يؤدي إلى تعلمهم سلبيات أخلاقية واجتماعية، مما يؤثر نفسيًا عليهم ويولد لديهم حالة من عدم الرضا، ثم يبدأ الطفل في التفكير والمقارنة بين نفسه وبين الأطفال الآخرين، مما يؤدي إلى عقد نفسية مزمنة كالقلق والخوف والشعور بالدونية.

نكسات متكررة
يونس طفل  يبلغ من العمر 8 سنوات، عاش معظم حياته متنقلاً بين مخيمات النزوح، و مؤخرًا، استقر مع عائلته في "مخيم الأمل"، في محافظة مأرب، حيث تقول والدة يونس، السيدة فايزة، إن ابنها يعاني من قلة الحركة وقلة الكلام، ولا يميل إلى اللعب مع الأطفال الآخرين.

تعود والدة يونس بذاكرتها إلى الأيام العصيبة عندما كان ابنها لا يتجاوز العامين من عمره، حيث اضطروا للنزوح من منزلهم في صنعاء بعد أحداث الثاني من ديسمبر من العام 2018.

تتحدث السيدة فايزة عن المعاناة التي عاشها يونس، إذ تعرض مخيم "ذنة الصوابين" الذي أقاموا فيه بداية نزوحهم للقصف المتكرر من قبل الحوثيين، كما شهدوا حريقًا دمر مخيمهم، ونجوا منه بأعجوبة وبعدها انتقلوا إلى مخيم الأمل، وهذه الأحداث، وغيرها كثير، تركت آثارًا نفسية عميقة على يونس، مما جعله يبتعد عن الاختلاط بأقرانه في المخيم.

الخوف من المستقبل
فاطمة، طفلة في الثامنة من عمرها، نزحت مع عائلتها من قريتهم في منطقة "كيلوا 16" محافظة الحديدة إلى مخيم الجفينة للنازحين في مأرب، هرباً من الصراع الدائر، وتواجه فاطمة وعائلتها صعوبات جمة في حياتهم اليومية، خاصة مع فقدان وثائقهم الرسمية خلال رحلة النزوح المفاجئة.

يروي والد فاطمة معاناته في محاولة تسجيل ابنته في المدرسة المؤقتة بالمخيم، حيث واجه تحديات كبيرة بسبب غياب الأوراق الثبوتية، كما يجد صعوبة في تأمين الرعاية الصحية لها عندما تمرض، إذ تتطلب المستشفيات وثائق رسمية للعلاج خاصةً إذا كان العلاج ممول من جهات خاصة.

وبالرغم من المبادرات المحلية لتحسين أوضاع النازحين  في المحافظة ، إلا أن والد فاطمة يخشى عدم استطاعته استخراج وثائق رسمية لأسرته، مضيفًا أن طفلته بات الخوف مسيطر عليها من عدم دخولها  المدرسة مما تسبب لها بصدمة نفسية يأمل زوالها في حال استقرت أوضاعهم في الأحوال المدنية وثبوتية أوراقهم.

دور إدارة المخيمات
في تصريح لمنصة "أطفال اليمن"، يتحدث مدير عام الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في المحافظة، الأستاذ سيف مثنى، عن دور الوحدة في إعطاء الصحة النفسية أولوية في مهامها، حيث تقوم بإنشاء آليات لرصد وتوثيق حالات الأطفال الذين يعانون من صدمات نفسية، ومن ثم توجيههم إلى الجهات المختصة.

ووفقًا لمثنى، تقوم الوحدة بالتنسيق مع عدة منظمات لتنفيذ برامج الصحة النفسية، بما في ذلك توفير الأماكن المناسبة لتنفيذ جلسات الدعم النفسي داخل المخيمات.

معالجات وبرامج تنفيذية
وعن الحلول التي يمكن أن تخفف من وطأة الضغوط النفسية على الأطفال، ترى الأخصائية النفسية مروة العواضي أنه يجب أن تتوفر مراكز دعم نفسي في المخيمات لتوفير مساحة آمنة للأطفال للعب وممارسة الفنون، وكذلك التفريغ العاطفي لاستقطاب طاقة الأطفال. وتؤكد العواضي أن العلاج باللعب يُعد من أبرز الوسائل لعلاج الأطفال الذين يعانون من ضغوطات نفسية.

وتشدد العواضي في حديثها لمنصة "أطفال اليمن" على ضرورة توفير دعم نفسي للأسر، حتى ينعكس تعامل الأب والأم على الطفل، لأن الطفل يتشكل نتيجة لسلوكيات والديه، وفي حال توفرت مراكز الدعم للأسر، ستتعلم الأمهات والآباء مهارات تمكنهم من تحقيق استقرار نسبي، مما ينعكس على الجو العام للطفل.

بدوره، أشار سيف مثنى إلى أن الوحدة التنفيذية لإدارة المخيمات قامت بالعديد من البرامج لدعم الصحة النفسية للأطفال، بالتعاون مع منظمات مختلفة، مثل توفير جلسات الدعم النفسي من خلال اللعب والتفريغ العاطفي، وكذلك إنشاء مساحات آمنة للتعليم وتفاعل الأطفال مع الآخرين. كما تم تنظيم العديد من الأنشطة الترفيهية كالمسابقات والورش، بهدف تعزيز التفاعل الاجتماعي لدى الأطفال وتوعية الأهالي والمشرفين بكيفية التعامل مع الأطفال المصابين بالصدمات النفسية.

أهمية الصحة النفسية للأطفال
ويرى مثنى أن التطرق لبرامج دعم الصحة النفسية للأطفال له أهمية كبيرة، حيث يعمل على تقليل أثر الصدمات، فالأطفال في مخيمات النزوح معرضون لتجارب صعبة مثل فقدان الأهل أو التهجير، والدعم النفسي يخفف من هذه الصدمات، كما أن الدعم النفسي للأطفال يعزز التنمية الشاملة، إذ تسهم الصحة النفسية الجيدة في تطورهم العقلي والاجتماعي بشكل سليم، مما يسهم في خلق بيئة آمنة.

وبحسب رأي الأستاذ سيف مثنى، فإن الدعم النفسي للأطفال يؤدي إلى الحد من المشكلات المستقبلية، فالأطفال الذين يتلقون الدعم النفسي مبكرًا يكونون أقل عرضة للاضطرابات النفسية والاجتماعية في المستقبل.

طفلين يلعبون في احد مخيمات النزوح بمحافظة مارب