عمالة الأطفال في صعدة

منصة أطفال اليمن - محمد جمال الطياري
تزايدتْ في الآونة الأخيرةِ ظاهرة عمالة الأطفال بشكلٍ كبيرٍ في مختلفِ المحافظات اليمنية مع استمرار الصراع الدائر في البلد منذ اندلاعِ الحربِ في العام 2014 وتفاقمتِ الظاهرة بوتيرةٍ عاليةٍ منذ العام 2015 بشكلٍ أوسع، محافظةُ صعدة واحدةٍ من المحافظاتِ اليمنية التي شهدتْ نسبةُ ارتفاع في عمالةِ الأطفال والتي تقعُ شمالَ غرب العاصمة صنعاء، وتبعد عنها حوالي 242 كيلو متراً.
كفاحٌ لأجلِ العيش
بنبراتِ صوتٍ متقطعة وشاحبة يتحدثُ الطفلُ عبدالله صادق ابن الحادية عشر من عمره، من أبناء محافظةِ ذمار مديرية وصاب الأسفل، أحدُ الأطفالِ العاملين في سوقِ الخفجي بمديريةِ سحار محافظة صعدة في السوق المركزي لتصديرِ نبتةِ "القات" منْ وإلى جميعِ محافظاتِ الجمهوريةِ اليمنيةِ لمنصةِ "أطفال اليمن" بالقول: " أتمنى أن أواصل دراستي وأتعلم، العملُ تعب ما نطعم النوم أو نقدر نرتاح، شغل واصل، أشتغلُ من الساعةِ الرابعة عصراً وحتى الرابعة فجراً كل يوم".
يعملُ عبدالله صادق على مدارِ 12 ساعة بمبلغٍ زهيدٍ مع أحدِ تجارِ "القات" ولا يفي بحاجتِه اليومية قائلًا: "أشتغل بخمسمئةِ ريالٍ يمني بينَ البردِ القارسِ لكي أوفرَ مصاريف يومية لي ولعائلتي، أشتغل في قصدرةِ القات وتغليفِه وتعبئةِ الثلج ليساعدَ على حفظ القات"، كما يصف.
إضافة إلى ذلك جسدَ عبدالله يتعرض للتشققات في يديهِ ورجليهِ بسبب البرد القارس في المنطقة وملامح التعب والإرهاق والسهر تظهرُ من خلالِ تعابيرِ وجهه.
وفي ذاتِ السياقِ تحدث الطفل رشيد الوصابي 10 أعوامٍ أحد العاملين في سوق القات المركزي عن حاجته الملحة للعمل رغم العائد البسيطِ الذي يتقاضاه مقابل عمله في تقطيعِ الثلجِ مع شدةِ قساوة البردِ في فصلِ الشتاء والذي يتزامنُ مع موسمِ القاتِ في هذهِ المنطقة يقول: "أشتغل لكي أوفر قيمة العلاج لوالدي المريض والذي أصبح عاجز عن العمل، وأعول أسرتي أنا وإخواني الثلاثة الذين يشتغلون معي في السوق، علي وخالد وزكريا، وكل يوم نجمع 3000 ريال يمني نحاول نغطي احتياجتنا العائلية وعلاج والدنا".
انتهاكات وحرمان
يتعرض عبدالله وزملائه الأطفال الذين يعملون في السوق المركزي إلى العديدِ من الانتهاكاتِ والاعتداءات الجسدية أو التوبيخ بالألفاظ البذيئة والمخزية والتي قد تصل إلى حد الضرب والحرمان من الأجر الهزيل الذي يتقاضوه مقابل عملهم ويصف ذلك: "ليتنا نموت ولا نعيش هذه الحياة، أحياناً لو تأخرنا عن العمل يقول روحوا ارقدوا بنبرات صوت مرتفعة ويطلقوا علينا أسوء الألفاظ ويخصموا من الراتب الذي يعطونا".
ويؤكد الطفل رشيد الوصابي بأنه يتعرض للاعتداءات الجسدية واللفظية والخصمِ من الأجر الذي يتقاضاهُ في حالِ تأخر أو غاب عن عمله دون أي مراعاة لظروفه الصحية التي يمر بها بسبب التغيرات الجوية وضعف المناعة لديه كما يصف.
ومن جانبِهما يصرحُ والدي الطفلين بأن الظروف المعيشية هي من أجبرتهم على ترك أطفالهم للذهاب للعمل في أسواق "القات" ليعولوا أسرهم ويبحثوا عن مصادر رزق بالحلال، رغم علمهم الكبير بأن حرمانهم من التعليم مشكلة كبيرة لكن ظروفهم أصبحت تحول بينهم وبين البقاء على قيد الحياة.
الهروب إلى الحدود
هناك العديد من الأطفال الذين يحاولون الهروب إلى الحدود السعودية عبر محافظة صعدة بحثًا عن مصدرِ رزقٍ يعيل أسرهم ويغطي احتياجاتهم اليومية لكن الأجهزة الأمنية تلقي القبض عليهم أحياناً قبل الوصولِ أو عندَ محاولةِ الهروب عبر الطرق غير الشرعية ومنهم من يصل عبر مُهربين يتقاضونَ أجوراً مقابل تهريبهم إلى الحدود بقيمة 500 ريال سعودي أي 130 دولارًا أمريكي، وعندَ وصولهم يتم الزج بهم للعمل في تهريبِ القات أو أعمالِ غير شرعية كالشحت، مما تصبحُ حياتهم معرضة للخطرِ كالتجنيدِ القسري واستغلالهم واغتصابهم.
مالك محمد 30 عام أحد العاملينَ في محافظةِ صعدة في حديثِه لمنصة "أطفال اليمن" بأن إبراهيم فؤاد 13 عاماً أحد الأطفالِ الذينَ تمَّ القبض عليهم في نقطةِ الجِعملة الحدودية وهي إحدى النقاط الأمنية الواقعة في الجِعملة التي تتبع جغرافياً لمحافظةِ صعدة وإدارياً لمديرية مجز، إذا يصف ذلك بأن: "إبراهيم فر هارباً من والده بسبب الضغوطاتِ الأسرية لتوفير مصاريفِ العيشِ وكذلكَ ضربَ والده المبرح".
تهريب الأطفال
سالم عبيد أخصَّائي اجتماعي في مكتبِ الشؤونِ الاجتماعيةِ والعملِ في محافظةِ صعدة صرحَ لمنصةِ "أطفال اليمن:" هناك نسبة ارتفاع لعمالة الأطفال في محافظة صعدة بشكل ملحوظ نتيجة للحروب والصراعات المستمرة والنزوح، مما أدى إلى توقفِ التعليم لدى بعض الأطفال والذهاب إلى سوق العمل للبحثِ عن مصادرِ عيشٍ للأسرِ التي جعلتْ مصدرها من أطفالها، كما أن شحة الدخل للأسرةِ النازحةِ هو السبب الرئيسي لزيادةِ عمالةِ الأطفالِ في محافظة صعدة.
وأضافَ سالم بأنه لا توجد إحصائيات رسمية لعمالةِ الأطفال في محافظةِ صعدة ولكنْ من خلالِ النزولاتِ الميدانيةِ والتقييمِ يلاحظُ ارتفاعَ نسبة عمالة الأطفال بشكلٍ كبيرٍ، حيث تتمثل عمالة الأطفال في صعدة جُلهم من أبناء المناطق الحدودية والنازحين الوافدين من المحافظات الأخرى، حيث يتم استغلال هؤلاء الأطفال في أعمال شاقة وبمقابلٍ بسيطٍ لا يغطي احتيجاتِ أسرةِ الطفل.
ويؤكد سالم بأنَّه يتم تهريب الأطفال عبرَ المنافذِ الحدودية من صعدة للزجِّ بهم للعملِ في السعودية في أعمالِ غير أخلاقية كالشحت بهم، وأكثر من تم ضبطهم من قبل الجهات المختصة من محافظات أخرى كصنعاء والمحويت والحديدة وحجة.
تأثيرات نفسية وحقوق مسلوبة
الدكتورة إشراق الصبري مختصة نفسية أشارت بأن هناك العديد من التأثيرات التي تحدثها عمالة الأطفال في حديثها لمنصة "أطفال اليمن" تقول: التعرض للإهانة وتحقير الذات للأطفال العاملين والتعرض للتحرشات بكافة صورها في الأسواقِ والخوفِ كما يتعرض الكثير من الأطفالِ للتحرشات بكافةِ أنواعها من قبلِ أرباب العمل أو العملاء أيضاً كما يعانون من عدمِ القدرة على التكيفِ مع من حولهم بسببِ اختلاطِهم بالكبارِ ومشاهدة التعاملات المتناقضة.
وتضيفُ الصبري بأن شعورَ الأطفال بالمسؤولية تجاهَ أسرهم تحملهم عبْئاً كبيراً قد يفوق تحملهم، فينحرفون في أعمالٍ مخلة ما قد يمارس ضدهم من أنواعِ العنف الجسدي والنفسي ويفقدهم الأمان بمن حولهم فيتصرفون بعدوانية تجاه الآخرين حيث تزعزع القيم فلا شيء ثابت في تربيتهم وفي مواجهاتهم مع المجتمعِ بكافةِ فئاته.
وتؤكد الصبري أن حرمانهم من أبسطِ حقوق الطفولة الأساسية من مأكلٍ وملبسٍ ومشربٍ ومسكنٍ وأمان وشعورهم بخذلانٍ من حولهم من أقارب أو جيران تكسبهم قسوةً في تعاملاتهم في المستقبل ولجوءهم للكذب والسرقة وغيرها من السلوكيات الخاطئة فيتحولون دون إدراكٍ منهم لمنحرفين، ينتابهم قلقٌ مستمر من الغد وخوفٌ ممن حولهم وكرهُ للمجتمع الذي لا يحتويهم فينشؤن في تذمرٍ وحقد على من حولهم.
إحصائيات مخيفة
بحسبِ منظمةِ العمل الدولية ووفقاً لإحصائيات أخيرة في اليمن، تتفاقم ظاهرةُ عمالة الأطفال بكثرةٍ وخاصة على الحدودِ مع دولِ الخليج، حيث يوجدُ مليون وستمئة طفلٍ ما بين الخامسة والسبعة عشر عاماً، يعملونَ في اليمن من بين إجمالي عدد أطفال اليمن الذي يقدر بنحوِ سبعةَ ملايينِ طفل.
وبحسبِ مصادرٍ مفتوحة اطلع عليها معدِّ التقرير بأنَّ مسح أجراه الجهاز المركزي للإحصاء بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" في أكتوبر / تشرين الأول 2023، أن 29% من أطفال اليمن منخرطون في العمل، وتتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاماً، ووفق تقريرٍ أصدرته منظمة العمل الدولية في يونيو/حزيران 2021، احتل اليمن المركز الأول عربياً لعمل الأطفال بنسبة 13.6%، يليه السودان بنسبة 12.6% والعراق بنسبة 4.9%، ووصفت "يونيسف" وضع الأطفال في اليمن بأنهم "يُسلبون من مستقبلهم"، بسبب أكبر أزمة إنسانية تشهدها بلادهم، حسب بيانٍ صدر عنها في مطلعِ 2023، أكدت فيه أن 23.7 مليون يمني يحتاجونَ إلى مساعدة، بينهم 13 مليون طفل.
قانون دون أثر
تقول المادة (144) والمادة(5) من القانون اليمني لحماية الأطفال الذين يعيشون في ظروف صعبة تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة وتولي الأطفال رعايتها الخاصة وتعمل على تهيئة الظروف اللازمة لتنشئتهم في كافة مناحي حياتهم تنشئة سليمة تحترم الحرية والكرامة والإنسانية والقيم الإسلامية والاجتماعية وفي بيئة صحية، وعلى الدولة إتخاذ الإجراءات والتدابير العلمية والعملية للتحقق من معاناة الأطفال الذين يعيشون في ظروف صعبة كأطفال الشوارع والمشردين وضحايا الكوارث الطبيعية والكوارث التي من صنع الإنسان والأطفال المعرضين لسوء المعاملة والمحرومين والمستغلين إجتماعياً وضمان عدم استدراج الأطفال إلى الإقتراب أو مباشرة الأعمال غير المشروعة أو السقوط في ممارستها.
حلول ممكنة
يرى "سالم عُبيد" بأن الحلول تكمن في إيجاد مشاريع لتعزيز الدخل للأسر المحتاجة كورش للعمل والمعامل تمكين اقتصادي، وكذلك على الجهات المختصة محاربة هذه الظاهرة بتوفير ما يتناسب لسد احتياجات أسر هؤلاء الأطفال.
ومن جانبٍ آخرٍ تأكد الدكتورة إشراق الصبري بأن الحلول في تحديد أعمال تتناسب مع مرحلتهم العمرية، رفع مستوى الضمان الاجتماعي، تحديد نوع الأماكن التي يعمل فيها الأطفال، توعية الأسرة بالمخاطر التي يتعرض لها أطفالهم، تأهيل الأطفال ببعض المهارات المدرة للدخل للعمل فيها ضمن أسرهم، المعاقبة العلنية والتشهير بمن يعرض حياة الأطفال لأي نوع من الابتزاز أو التحرشات، إعادة تأهيل الأبوين ودعمهما من خلال مشاريع صغيرة مدرة للدخل، إنشاء جمعيات ترعى الأطفال العاملين وتعمل على تعليمهم وتأهيلهم لسوق العمل، وضع مخالفات وجزاءات لمن يستغل الأطفالَ ويثقل عليهم بالأعمالِ التي تفوق قدراتهم كما تصف.