سنوات الحرب.. بيئة خصبة لانتشار العنف الجنسي ضد الأطفال

فبراير 27, 2025 - 18:09
 0  26
سنوات الحرب.. بيئة خصبة لانتشار العنف الجنسي ضد الأطفال

منصة أطفال اليمن - نورا فهد

يعيش أطفال اليمن واقعًا مريرًا خلف أسوار الحرب التي مزقت طفولتهم، فمنذ اندلاع الصراع تحولت حياتهم إلى كابوس لا ينتهي، فبالإضافة إلى حرمانهم من أبسط حقوقهم يواجهون أخطار مختلفة من أهمها تعرضهم للعنف الجنسي.

شكلت الحرب الدائرة في اليمن بيئة خصبة لانتشار العنف الجنسي ضد الأطفال، فوفقًا لإحصائيات منظمة إنقاذ الطفولة فإن أكثر من 83٪ من الأطفال اليمنيين الذين يعيشون على بعد 50 كيلومتراً من مناطق النزاع أو أقل، معرضون لخطر العنف الجنسي.

في محافظة تعز وحدها بلغ عدد حالات العنف الجنسي ضد الأطفال التي استقبلها مستشفى الثورة خلال عام 2024م، 23 حالة، 11 من الذكور و12 من الإناث، تنوعت ما بين اغتصاب وتحرش، بحسب مدير مكتب الشؤون القانونية بالمستشفى، وفاء الصلوي في حديثها لـ "أطفال اليمن".

وأشارت الصلوي إلى تسجيل المكتب حالتين اغتصاب منذ بداية العام الجاري 2025م.

وبحسب تقرير حقوقي لمؤسسة رصد لحقوق الانسان للعام 2022 – 2023م وصلت حالات العنف الجنسي التي تم إبلاغ مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بتعز عنها لعام 2023م، 30 حالة تمثل حوادث اغتصاب، فيما بلغت نسبة قضايا العنف الجنسي 28٪ من إجمالي القضايا الـي اسـتقبلتها إدارة البحـث الجنائي بعدن لعـام 2023.

واوضحت رصد في تقريرها "أخاف من الفضيحة" ان الإبلاغ عن هذه الجريمة محدود ولا يتسق مع انتشارها الخطير.

ويؤكد ذلك رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة، أحمد القرشي في حديثه لـ "أطفال اليمن"، بقوله، أن الإحصائيات الرسمية والدراسات الحكومية المتعلقة بالعنف الجنسي ضد الأطفال تعد شحيحة لأن الغالبية الساحقة من هذه الحالات لا يتم الإبلاغ عنها.

ويرجع القرشي ذلك لأسباب عدة منها ثقافة العيب والخوف من الوصمة المجتمعية، وعدم تمكن الضحايا وذويهم من الوصول إلى العدالة وانفاذ القانون، بالإضافة إلى التدخلات القبلية التي لا تراعي الجوانب القانونية وتقوم بحل كثير من هذه القضايا وديًا.

للحرب اليد العُليا
يعيد رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة، أحمد القرشي، تزايد العنف الجنسي ضد الأطفال بمختلف أشكاله خلال فترة الحرب الدائرة في اليمن إلى عدة أسباب، منها سيطرت المليشيات المسلحة وعلى رأسها جماعة الحوثي التي تسيطر على غالبية المناطق ذات الكثافة السكانية في اليمن، وهذه الميليشيات بحسب القرشي لا تهتم في الغالب بإنفاذ القانون، خصوصًا فيما يتعلق بحماية الفئات الضعيفة كالأطفال.

ويضيف القرشي لـ "أطفال اليمن"، أن الحرب أدت إلى انهيار منظومة حماية الطفل المتمثلة بمؤسسات الحماية المعنية مثل  الشرطة والقضاء وانفاذ القانون وغيرها من المؤسسات بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني المعنية برعاية الاطفال المعنفين وخاصة الذي تعرضوا للعنف الجنسي.

من جانبها ترى الأخصائية الاجتماعية، سوسن رشيد، أن العنف يولد العنف، موضحةً حديثها بالقول:" ان الحرب القائمة في اليمن ولدت عنف اجتماعي أثر بشكل خاص على الاطفال وذلك من خلال اختلال الأساس الاجتماعي والتفكك الأسري مثل كثرة المشاكل الأسرية وزيادة نسب الطلاق مما يؤدي إلى إهمال الأسر للأطفال ويجعلهم عرضة للعنف الجنسي.

وتضيف سوسن في حديثها لـ "أطفال اليمن": "ان آثار الحرب المتعددة ومنها الحرمان من الفرص والخدمات، وتوقف رواتب الموظفين، وانخفاض الدخل، وفقدان المعيل، دفع ببعض الأسر للزج بأطفالهم في سوق العمل من أجل لقمة العيش سواء كعماله اطفال او الالتحاق بالعناصر المسلحة وبالتالي مواجهة اخطار العنف المختلفة وتعرضهم للاستغلال الجنسي بأنواعه".

وتشير سوسن إلى أنه في ظل الحرب وتأثر بعض المناطق بالنزاع المسلح اضطرت كثير من الأسر إلى النزوح القسري للمخيمات أو لمناطق أخرى، الأمر الذي تسبب في عدم قدرة الأهالي على التأقلم وإهمال أطفالهم كتركهم أوقات طويلة بدون مراقبة أو مع أشخاص لا يعرفونهم.

وهذا ما أكدته دراسة صادرة عن الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في اليمن 2023م، حيث أظهرت الدراسة أن نسبة التحرش الجنسي 2٪ في 16 مخيم من أصل 646، وأشارت أن 60٪ من المخيمات بحاجة ماسة إلى توفير الحماية، و78٪ من المخيمات تحتاج إلى دعم وتوثيق قانوني للأطفال.

آثارٌ ممتدة
يعد العنف الجنسي أحد الانتهاكات الجسيمة بحق الإنسان لاسيما حين يكون ضحيته طفل، وذلك لما يخلفه من تأثيرات نفسية عميقة وطويلة المدى تتعدى مرحلة الطفولة وتستمر إلى مراحل عمرية متقدمة، وينتج عنها مشاكل عدة منها العاطفية والسلوكية والاجتماعية.

توضح الأخصائية النفسية كريمة الصمدي هذه الآثار بالقول: "ان الطفل الذين يتعرض للعنف الجنسي يكون أكثر عرضة للإصابة بالقلق والاكتئاب، وتظهر عليه مشاعر الحزن وفقدان الثقة بالنفس والشعور بالذنب، ما يؤثر سلبًا على تقديره لذاته".

وتضيف الصمدي لـ "أطفال اليمن"، ان الطفل ضحية العنف الجنسي يصاب باضطرابات كرب ما بعد الصدمة، والتي قد تظهر على شكل كوابيس تسترجع الأحداث الصادمة التي عايشها أو الخوف الشديد من مواقف معينة، مما يؤدي إلى صعوبة لديه في النوم والتركيز.

وتشير إلى أن بعض حالات ضحايا العنف الجنسي من الأطفال تنشأ لديهم ميول انتحارية، لما يشعرون به من اليأس أو العجز، الأمر الذي يدفعهم للتفكير في إيذاء انفسهم أو الانتحار.

وإلى مجمل الآثار السابقة، توضح الأخصائية الاجتماعية سوسن رشيد ان ضحايا العنف الجنسي من الأطفال يصابون باضطرابات في السلوك ويواجهون صعوبات في حياتهم الاجتماعية.

وتستطرد في حديثها لـ "أطفال اليمن":" تتأثر سلوكيات الطفل سلبًا حيث يُظهر سلوكيات عدوانية أو يلجأ إلى سلوكيات غير مقبولة للهروب من الألم النفسي الذي يعاني منه".

وتضيف، أن الطفل ضحية العنف الجنسي يكون أكثر عرضة للانعزال والانسحاب الاجتماعي، كما يمكن أن يواجه صعوبة في الثقة بالآخرين، مما يؤثر على علاقاته الاجتماعية.

وتختتم سوسن حديثها عن الآثار بالإشارة إلى أن الطفل ضحية العنف الجنسي يصبح ناقمًا على مجتمعه، بسبب انعدام الأمان النفسي والاجتماعي لديه، مما يؤدي إلى زيادة نسبة الجريمة والخروج عن القانون في المجتمع.

برُ الأمان
يرى مدير منظمة سياج لحماية الطفولة، أحمد القرشي، أن من اهم الحلول والمعالجات التي يجب العمل عليها للحد من انتشار جريمة العنف الجنسي ضد الأطفال في اليمن هو تعزيز قدرات مؤسسات انفاذ العدالة وتوفير الحماية القانونية للضحايا.

تتفق الأخصائية الاجتماعية سوسن رشيد مع حديث أحمد القرشي، وتؤكد على ضرورة سن القوانين والتشريعات التي تحمي الأطفال ومحاسبة من يتسبب في تعرضهم للأذى.

بالإضافة إلى رفع الوعي المجتمعي بحماية الطفل في قضايا الحماية الأربع المتمثلة بـ (العنف، الاستغلال، الإساءة والاهمال)، بالإضافة إلى تعليم الأطفال كيفيه حماية أنفسهم من أي تحرش أو استغلال قد يتعرضون له. تتابع حديثها.

من جانب آخر تقول الأخصائية النفسية كريمة الصمدي لـ "أطفال اليمن" ان تعرض الطفل للعنف الجنسي يعد بمثابة تلقيه صدمة نفسية تتطلب مساندة فورية وتقديم خدمات الدعم النفسي المتخصص.

وتؤكد الصمدي على أهمية إشراك الأسرة في عمليه العلاج من خلال توعيتهم عن العنف الجنسي والآثار المترتبة عليه وكيفية التعامل مع الطفل بطريقة ايجابيه، وتوفيرهم بيئة آمنة للطفل يشعر فيها بالأمان والحب دون لوم أو عقاب، والاستماع له دون إجباره على الحديث.