الأطفال ذوو الهمم وحقهم في اللعب

منصة أطفال اليمن - سماح عملاق
بخدوشٍ على مقدمة رأسه، وآثارٍ لكدمات تبدو طرية، يتمسك الطفل لؤي ذو ال١٢ عاما بأطراف جلباب والدته، بينما تبدو الأم غاضبة منه رغم أنه مكفوف البصر.
تمنع الأم طفلها من اللعب مع الأطفال الأصحاء، تحاول الاحتفاظ به في المنزل، إلا أنه في كل مرة يجد طريقته للهروب إلى حارته في محافظة عدن، والعودة بحوادث تبدو جليةً في ملامحه.
يواجه الأطفال ذوو الهمم، في اليمن، تحديات جمة في مختلف جوانب حياتهم، ولعل من أبرزها حرمانهم من حقهم الطبيعي في اللعب.
معاناة وتهميش
في كثير من الأحيان، تمنع الأمهات أطفالهن من اللعب مع أقرانهم الأصحاء، خوفًا عليهم من الحوادث والإصابات. هذا المنع، وإن كان بدافع الحماية، يحرم الطفل من فرص التفاعل الاجتماعي والتطور العاطفي والجسدي التي يوفرها اللعب.
تقول أم منير علي (9 أعوام) من أبين، لمنصة أطفال اليمن، وهي تتحدث عن طفلها القعيد: "يحاول طفلي التصالح مع حالته، وينكر كونه قعيدا من الحركة، لكن أخطار الشارع تذكره بوضعه الاستثنائي."
هذه الكلمات تلخص معاناة الأسر التي تسعى جاهدة لحماية أطفالها، وفي الوقت نفسه، تخشى عليهم من العالم الخارجي.
فبالإضافة إلى الصعوبات التي تفرضها الإعاقة نفسها، يواجه هؤلاء الأطفال نظرة مجتمعية قد تكون قاسية، وإهمال رسمي، وتحديات أخرى تتعلق بالبيئة المحيطة والبنية التحتية، وفق تصريح للمختصة في علم الاجتماع الدكتورة أشجان الفضلي.
ويواجه الأطفال ذوو الهمم تحديات مختلفة في اللعب، مثل الاضطرابات الحركية والحسية، ونقص في الحواس اللازمة للحماية في بيئة غير آمنة.
قصص ملهمة
على الرغم من هذه التحديات، هناك قصص ملهمة لأطفال وأسر يمنية تغلبت على الصعوبات وصنعت نماذج يحتذى بها.
من بين هذه القصص، قصة رنا أحمد، الطفلة التي فقدت بصرها في طفولتها، لكن والدتها لم تستسلم، بل دعمتها وشجعتها على تنمية موهبتها الموسيقية. واليوم، رنا هي عازفة أورج ماهرة، تأخذ بألباب الجمهور بعزفها وتلهم الآلاف من أمثالها.
تقول حياة عزيز والدة رنا: "لم أُشعر ابنتي أنها مختلفة إلا للأفضل، وفرت لها ألعاب تناسب حالتها، ولأنها كانت تحب الموسيقى، أهديتها أورج بسيط لتلعب، لكنها أذهلتني بموهبة استثنائية في العزف وتقليد الألحان".
قررت والدة رنا أن تدعمها أكثر بعد أن اكتشفت موهبة العزف عندها، فضمتها لدورات تدريبية تعلمها المقامات والنوتات وبطريقة بريل، وكانت عينها التي تبصر بها.
تكمل الأم: "بعد سنوات وبجهود ذاتية، ابنتي تعزف الأورج بتمكن واحتراف، إضافة لصوتها الجميل الذي شاركت به في مسابقة كنوز الإبداع في مصر، وفازت بالترتيب الأول".
تؤكد حياة إن اللعب حق من حقوق الطفل على والديه، وخوفهم لا يمنعهم أن يوجهوا مسار هذا اللعب بما يفيدهم ويشعرهم بكينونتهم.
طفل متوحد يفتح مدرسة
كما هي قصة ابن جريبة، رجل الأعمال الذي رزق بطفل مصاب بطيف التوحد، فاكتشف أن هذه الفئة من الأطفال تفتقر إلى خدمات التعليم والتأهيل المتخصصة. فما كان منه إلا أن أنشأ مدرسة متخصصة للأطفال المصابين بالتوحد، ليمنحهم فرصة للتعلم والتطور.
حول الأساليب التدريسية للأطفال المتوحدين، صرحت مديرة مدرسة ومركز بن جريبة لمنصة أطفال اليمن أن المدرسة تتبنى أساليب تدريسية متنوعة للأطفال المتوحدين، تشمل التعلم بالممارسة في تدريب الأطفال على الأنشطة الحياتية لتعزيز الاعتماد على النفس.
تضيف أفراح أن التعلم باللعب، من أهم وسائل التعليم، لتطوير المهارات الاجتماعية والتواصلية، إضافة لوسائل التواصل البديلة مثل استخدام بطاقات الصور والأجهزة اللوحية لمساعدة الأطفال غير اللفظيين على التعبير عن أنفسهم.
أهمية اللعب للأطفال ذوي الهمم
تؤكد طبيبة الأطفال آيات اللحجي، في تصريح لمنصة أطفال اليمن، على أهمية اللعب للأطفال جميعًا، وتعتبره حجر الزاوية في نموهم الجسدي والمعرفي والاجتماعي، مشيرةً إلى أن اللعب ينمي قدرات التواصل والتفكير النقدي والتعبير العاطفي والمهارات الحركية.
وتضيف: "يجب إتاحة الفرص للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة لتجربة أنواع اللعب المناسبة لهم، مع التركيز على قدراتهم وليس على ما لا يستطيعون فعله.
تقول وفاء الورافي، مديرة مركز "ها أنا ذا" لمعالجة اضطرابات النطق عبر اللعب، وهي مختصة في علم النفس التربوي: "يجب تخصيص الألعاب بما يتناسب مع قدرات الطفل واحتياجاته، واستخدام الألعاب التكيفية التي تراعي هذه التحديات."
وتشدد على أهمية اللعب الجماعي للأطفال ذوي الهمم، لأنه يساعدهم على تكوين صداقات، وتقليص مشاكل الاندماج، وتحسين منسوب الذكاء، وعلاج اضطرابات نفسية.
دراسات أممية واحتياجات محلية
تشير منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" إلى أن واحدًا من كل 10 أطفال في العالم هو من ذوي الهمم.
يواجه هؤلاء الأطفال تحديات كبيرة في مختلف جوانب حياتهم، فهم أقل حظًا في الحصول على التحفيز المبكر والرعاية المناسبة، وفرصهم في اكتساب مهارات القراءة والكتابة الأساسية أقل، وهم أكثر عرضة للإصابة بالهزال وتوقف النمو، بالإضافة إلى مشاكل صحية ونفسية أخرى.
تعقب الناشطة الحقوقية أسيل المقرمي أن الأطفال ذوو الهمم في اليمن بحاجة ماسة إلى الدعم والتشجيع؛ ليتمكنوا من ممارسة حقهم في اللعب، فهم ليسوا أقل من غيرهم، بل يمتلكون قدرات وطاقات كامنة تحتاج إلى من يكتشفها ويطورها.
وتدعو المقرمي الأهل والمجتمع والمؤسسات المعنية إلى تضافر الجهود لتوفير الفرص والأدوات المناسبة لهؤلاء الأطفال، وإنشاء المتنفسات والمدارس ومراكز التأهيل المتخصصة بهم، إضافة إلى تهيئة البيئة التي تساعدهم على النمو والدمج والازدهار.