سوء التغذية عند الأطفال ومعركة البقاء في وجه الفقر والجوع

منصة أطفال اليمن - بسمة توفيق
في ضل الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها العديد من ساكني صنعاء تروي أم عمر (اسم مستعار) قصتها ومعاناتها مع طفلها بسبب سوء التغذية وتقول "في ظل الظروف الصعبة، تدهورت حالة إبني الصحية وشعرت أني قد أفقده لذلك اضطررت لنقله إلى أقرب طبيب أطفال في صنعاء، وشُخّص بأنه يعاني من سوء تغذية حاد وهذا سبب له فقدان كبير في الوزن وخلاه فاقد لشهيه تماماً، وكنت قلقة جدا عليه خصوصاً أني لا أستطيع تنويع الطعام له ومافيش معي أي ميزانية.
تتفاقم المشكلة بسبب الظروف المعيشية ولكن الأطباء دائما يسعون لحلها وتقول أم عمر " لمنصة أطفال اليمن " "مع هذه المشكلة الي حسيت مالهاش حل إلا أن الطبيب تفهم وضعي وأعطاه العلاج اللازم ومع الوقت، تحسنت حالته الصحية بفضل نظام غذائي بسيط يناسب إمكانياتي ويجعل طفلي يأكل من جديد".
قصة أم عمر ليست حالة فردية، بل معاناة آلاف الأطفال في اليمن بسبب الوضع المعيشي المتدهور فهذه الأزمة بحاجة لاهتمام عاجل لتجنب حالات صحية أكبر.
وتعليقا على ذلك يتحدث محمد عقلان استشاري طب الأطفال وحديثي الولادة أن هناك تحديات تواجه الأسر في معالجة حالات سوء التغذية وتختلف من أسرة إلى أخرى حيث تشمل التحديات الاقتصادية والبيئة في عدم القدرة على شراء الأطعمة الصحية وارتفاع كلفة العلاج والرعاية، نقص الوصول إلى الموارد الغذائية وقلة جودتها والتحديات الصحية التي تؤدي الى نقص المعرفة حول التغذية الصحية.
اما التحديات النفسية والبيئة بحسب عقلان فهي اكثر تأثيرا حيث تؤدي الى الضغط النفسي والقلق اللذان يؤثران على التغذية مما يسبب العادات الغذائية السيئة مثل الأكل المفرط أو النقص.
رؤية طبية
وفي هذا السياق ركز عقلان على أهمية مراقبة علامات سوء التغذية التي تشمل فقدان الوزن و ألم البطن أو الغثيان ،إسهال أو إمساك ،وضرورة الكشف المبكر عن سوء التغذية حيث يساعد في منع المضاعفات الصحية المرتبطة بها مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، السكري، وداء السكري من النوع الثاني والإصابة ب أمراض القلب والأوعية الدموية و ارتفاع ضغط الدم، تصلب الشرايين، السكتة الدماغية وايضا قد تشمل السرطانات كسرطان الثدي ويساعد في تحسين جودة الحياة من خلال تحسين الصحة العامة و يمكن أن يقلل من التكاليف الصحية المرتبطة بعلاج المضاعفات الصحية و يزيد من فرص العلاج الناجح لسوء التغذية.
العوامل الإجتماعية والثقافية
سوء التغذية لا يؤثر فقط على الأفراد، بل ينعكس سلبًا على المجتمع ككل، حيث يصبح الجيل الذي يعاني من هذه المشكلات أقل إنتاجية في المستقبل.
وأكدت إيناس الزوار، خبيرة التنمية المجتمعية، أن العوامل الاجتماعية والثقافية تلعب دورًا كبيرًا في تنشئة الأفراد وتوجهاتهم الغذائية، فإحدى هذه العوامل تتمثل في العادات الخاطئة التي تتبعها بعض الأمهات في تغذية أطفالهن، مثل تقديم الحليب للطفل في أي وقت يبكي فيه، وهو ما يؤدي إلى مشكلات صحية مثل قصر القامة لدى الأطفال.
وأوضحت الزوار أبرز الممارسات الاجتماعية الخاطئة كالتركيز الزائد على الاهتمام بالأم النفاس مقارنةً بالأم الحامل، بالإضافة إلى نقص التنوع الغذائي للأطفال، بحيث يُعطون الأطعمة غير الصحية في سن مبكرة مثل البسكويت والشيبس، كما يتم تشجيع الأطفال على تناول الأطعمة الدسمة مثل السمن البلدي، التي قد تؤدي إلى آثار صحية سلبية في المستقبل وكما يقول المثل: "العقل السليم في الجسم السليم"، مما يعكس أهمية الغذاء الصحي في بناء أجيال قوية قادرة على تحقيق التنمية المستدامة.
الأنظمة الغذائية
ان العادات الغذائية التقليدية قد تحد من تنوع الطعام او تفضل انواعاً معينه من الاطعمة التي قد لا تحتوي على جميع العناصر الغذائية الضرورية وبذلك أوضحت الدكتورة سارة علي محمد الفروي أخصائية تغذية علاجية وحميات ان علاج سوء التغذية يعتمد على تصحيح النقص في العناصر الغذائية التي يعاني منها الشخص. ويمكن تحقيق ذلك في خلال اتباع انظمة غذائية صحيه ومتوازنة تركيز على تزويد الجسم بالعناصر الاساسية التي يحتاجها .
وبينت سارة أن إعداد نظام غذائي صحي للأشخاص ذوي الدخل المحدود يتطلب التخطيط الجيد واختيار الاطعمة كالحبوب المتنوعة الكاملة من الأرز البني، الشوفان، البرغل، الشعير والبقوليات مثل الفاصوليا بالكيلو تكون أقل سعر، الحمص، السلطات، البروتينات مثل البيض، العدس، التونة، الزبادي ولابد من الاستفادة من الفواكه والخضروات الموسمية قليلة التكلفة ك الموز، الجزر، الخيار الخ والابتعاد عن الأطعمة الجاهزة والسريعة وفي بعض الحالات قد يتطلب الأمر إستخدام المكملات لتعويض النقص في عناصر غذائية ويجب استشارة الطبيب او أخصائي تغذيه قبل تناول المكملات.
سوء التغذية المزمن والحاد
أوضحت سارة ان "chronic Malnutrition سوء التغذية المزمن يشير إلى حالة مستمرة وطويلة لنقص العناصر الغذائية الأساسية مما يؤدى الى تأثيرات سلبية مثل تأخر النمو ونقص في الوزن والطول والتقدم والضعف العام وضعف بالجهاز المناعي وضعف العضلات والعظام وغالباً ما يكون مرتبطاً بنقص مستمر في الغذاء المتوازن على مدى فتره طويله من الزمن وعلاجه يتطلب تحسين النظام الغذائي على المدى الطويل وتوفير العناصر الغذائية وزيادة التنوع الغذائي في الوجبات وايضا تحسين الظروف الاقتصادية والإجتماعية لتوفير الغذاء الكافي.
وتابعت سارة في حديثها أن Acute Malnutrition سوء التغذية الحادة تعتبر حالة طارئة يؤدي إلى نقص حاد في الوزن بشكل سريع بسبب قله الطعام او مرض مفاجئ وعلاجه التغذية العلاجية والرعاية الطبية الفورية والتدخل الغذائية الطارئ لذلك لابد من رفع الوعي حول أهمية التغذية السليمة وتعليم الأمهات والآباء حول الرضاعة الطبيعة.
الحلول
وركزت الزوار على أن التوعية المجتمعية بأهمية التغذية السليمة تتطلب تنفيذها عبر مراحل متعددة، تبدأ المرحلة الأولى من خلال الإعلام بجميع أشكاله، حيث يتم توجيه رسائل تثقيفية توضح أهمية التغذية الصحيحة وأثرها على صحة الأطفال والأمهات ،ثم تأتي المرحلة الثانية التي تركز على تنظيم ورش تدريبية موجهة للنساء، وخاصة الأمهات، لتعليمهن أسس التغذية السليمة والطرق الصحيحة لتغذية الأطفال.
بعد ذلك تقول الزوار يأتي دور المرافق الصحية التي تتابع حالات الحمل، حيث تُقدَّم توعية للأمهات الحوامل حول أهمية التغذية السليمة والأطعمة المفيدة خلال فترة الحمل. وفي المرحلة التي تلي الولادة، يتم إعداد برامج تثقيفية لتعليم الأمهات كيفية إطعام الأطفال بطريقة صحية وسليمة.
أما المرحلة الأهم، فهي غرس ثقافة التنشئة الصحيحة لدى الأمهات عن طريق تعريفهن بماهية الأطعمة الصحية وكيفية اختيارها وتقديمها.
وفي إطار التحديات تدعو الزوار الى ضرورة توفير فرص العمل كخطوة أساسية لمعالجة الجذور الإقتصادية للمشكلة، إلى جانب توزيع الغذاء الصحي المجاني للفئات الأشد احتياجًا ،وتشدد على ضرورة المتابعة المستمرة للأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية لضمان تحسن حالتهم الصحية، مما يسهم في بناء مجتمع قوي وقادر على تحقيق التنمية.