عمالة الأطفال.. قصص المعاناة من شوارع تعز

تعد شوارع مدينة تعز واحدةً من المسارح المفتوحة التي تجسّد مأساة أطفال اليمن

يناير 6, 2024 - 02:37
يناير 7, 2024 - 21:04
 0  135
عمالة الأطفال.. قصص المعاناة من شوارع تعز

منصة أطفال اليمن: تقرير خاص- سماح عملاق 

تعد شوارع مدينة تعز واحدةً من المسارح المفتوحة التي تجسّد مأساة أطفال اليمن، ممن يلتحقون بسوق العمل في سن مبكّر، بسبب ظروف أسرهم المعيشية.

زينب سالم (16 عامًا)، فتاة يمنية تعيش معاناة الحرمان من التعليم والطفولة الآمنة، أحياناً تتحمّل أعباء العمل بدلاً عن والدتها في مجال النظافة بمدينة تعز، إلا أن المرّة الأول كادت تودي بحياتها، وما تزال تعاني آثارها.

"منصّة أطفال اليمن" زارت زينب، إلى مسكنها واستمعت إلى ما تعرّضت له قبل أكثر من سنة، وهي تقوم بتنظيف أحد الشوارع في مدينة تعز بدلاً عن والدتها التي كانت مريضة. 

الطفلة زينب

شعيب خالد (13 سنة)، يعود كل ظهيرة من مجمع أويس القرني في بير باشا حيث يدرس في الصف السابع، إلى منزله ليتناول الغداء، قبل أن يأخذ ميزانه وما تيسر من بضاعة نحو شارع جمال. 

التقت منصّة "أطفال اليمن" بشعيب وهو يفترش الرصيف تحت أشعة الشمس، داعيًا المارة لقياس أوزانهم مقابل مبلغ بسيط أو شراء مساويك أو مناديل ورقية. وعلى هذا الحال يقضي شعيب نصف نهاره، ليعود أدراجه مساء حاملاً ميزانه وما تبقى من بضاعته وما جمعه من النقود.

الطفل شعيب

على مقربة منه، عادة ما يجلس جلال جمال (13 عامًا) ومعه الميزان وبعض المساويك، ويقوم بنفس العمل وتحت ذات الظروف. ولا يختلف وضع جلال، وجدوله اليومي عن بقية أقرانه من الأطفال الذين يعملون في شوارع مدينة تعز، غير أنه ما يزال يدرس في الصف الرابع الابتدائي، لتأخره عن المدرسة بسبب ظروف أسرته المادية.

الطفل جلال

أثناء حديثه مع "منصّة أطفال اليمن" أشار شعيب بسبابته إلى طفلٍ آخر في الشارع المقابل، وكان أخوه عمران (12 عاما)، وهو الآخر يعمل في بيع البخور والعطور وغيرها.

الطفل عمران

أوضح شعيب، أنه وشقيقه يعملان من أجل من مواصلة تعليمهما، لأن عمل والدهما في بيع الأسفنج لا يكفي حتى لإيجار المنزل.

أسباب مركّبَة
وفق منظمة العمل الدولية، فإن نحو 34.3% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 5 و17 عامًا يعملون في اليمن، وارتفعت النسبة مع تداعيات الحرب أربعة أضعاف عما كانت عليه قبلها. 

فيما أوضحت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أن أكثر من 2 مليون طفل في اليمن خارج المدرسة.

وحول أسباب عمالة الأطفال في اليمن، يقول الخبير الاقتصادي أحمد شماخ، إن "الدوافع والأسباب لعمالة الأطفال مركبة في معظمها الفقر والجوع المدقعان اللذان تعيشهما اليمن في ظل اقتصاد الحرب؛ الأمر الذي يضطر الأسر العاجزة للدفع بأبنائها لتحسين ظروفها المعيشية".

وهذا "يعرض الأطفال العاملين إلى الاستغلال، والانحراف، والتسرب عن التعليم، وهو يتعارض مع القوانين المحلية والدولية، وفق الخبير شماخ، الذي تحدّث لـ"منصّة أطفال اليمن". 

تداعيات خطرة
لا يمكن لزينب أن تنسى ما عاشته في يومها الأول والوحيد من العمل بتنظيف سوق الوليد في الشارع المركزي بتعز خلفاً لوالدتها، فبعد أربع ساعات من انهماكها في العمل وخلال ساعات ظهيرة السابع من سبتمبر 2022 اخترقت رصاصة طائشة ركبتها اليسرى لتسقط على الأرض، وتسقط معها أحلامها في الحياة والطفولة الآمنة.

كانت زينب، تنحني على المكنسة، تطارد أكياس البلاستيك التي فرقتها الرياح، متجاهلة عبارات بعض المارة المُغازلة أو العنصرية بسبب لون بشرتها، فقد كانت تفكر فقط بقوت إخوانها السبعة، وعلاج والدتها الذي ستأخذه بيدها عائدة إلى غرفتها الصغيرة في حارة الضبوعة العليا التابعة لمديرية القاهرة بتعز.

تقول زينب لـ"منصة أطفال اليمن": نحن أسرة معدمة من المجتمعات المهمشة (ذوي البشرة السمراء)، ورزقنا يومي، إذا لم نعمل سنجوع، لهذا السبب لم ألتحق بالمدرسة كباقي الفتيات، فقد طلبت أمي أن أتفرغ للاهتمام بإخواني الصغار؛ لأنها تعمل طوال النهار مع صندوق النظافة والتحسين. وأحياناً أتولى العمل بدلاً عنها في حال تعرضها للمرض أو الإعياء.

وحول ملابسات إصابتها، تقول زينب، إنها اضطرت لأن تخرج لأداء عمل والدتها خشية أن تفقد الأسرة مصدر رزقها وتصبح دون طعام، والتي تضم إلى جانب زينب ووالدتها سبعة إخوة.

حتى الآن، لم تحدد هويّة الشخص الذي أطلق النار، فيما تعاني زينب من هشاشة في عظام ركبتها اليسرى إثر تلك الرصاصة الطائشة. بعد شهر من الحادثة كانت قد أجرت عملية لإضافة مسامير وصفائح لركبتها على نفقة منظمة الأمومة والطفولة. وكان من المقرر طبيًا أن تزيلها بعد ستة أشهر، وهو ما لم يحدث حتى.

تقول شقيقة زينب (أمل- 19 عاما): حتى اليوم نتابع الأمومة والطفولة، ويقولون لنا إن زينب في قائمة الانتظار. مضى عام وثلاثة أشهر وما تزال المسامير والصفائح في ركبتها. وتعاني من مضاعفات، ولا تستطيع الحركة بسهولة، ونحن لا نملك المال لنعالجها".

أضرار متعددة
الطفل جلال جمال، ما يزال متشبّثاً بمدرسته رغم معاناته بسبب العمل. تقول والدته لـ"منصة أطفال اليمن" إن جلال يعاني من حمى دائمة، وتقطع في النوم، وأحيانًا يتحدث أثناء نومه وكأنه في العمل يبيع بضاعته.

وحول مستوى التحصيل العلمي للأطفال العاملون، التقت "منصّة أطفال اليمن" بالأستاذ محمد علي، وهو معلم شعيب وعمران، وقال إن مستواهما الدراسي في تراجع مستمر، وعادة ما ينصحهما بالاهتمام. مضيفاً أن المدرسة تبعث برسائل لولي أمر الطفلين إلا أن هذا لا يجدي طالما وهما يعملان.

الاختصاصية النفسية بسمة صادق، توضح لـ"منصة أطفال اليمن" أن الآثار المترتبة على عمالة الأطفال مركبة ومعقدة، منها الصحية كالإصابة بالأمراض والإعاقات والإجهاد والتعب والتسمم والتشوهات والموت، ومنها النفسية الناجمة عن الانقطاع عن الطفولة واللعب والترفيه كالاكتئاب والقلق والخوف والانعزال وانخفاض الثقة بالنفس والهوية والكرامة.

فيما تحدثت التربوية بشرى بلعيد، لـ"منصة أطفال اليمن" عن الآثار الناجمة عن الحرمان من الحق في التعليم والتطور الفكري والمهني كالأمية والجهل والتسرب والتأخر الدراسي والانحراف والجريمة.

آثار على المجتمع
وحول الآثار الاجتماعية لعمالة الأطفال، أشارت أستاذة علم الاجتماع في كلية التربية بجامعة عدن الدكتورة أشجان الفضلي، إلى أن "لعمالة الأطفال تداعيات وآثار خطرة على المجتمع، لأنها تسلبنا قوة وطاقة شبابية بإمكان المجتمع الاستفادة منها مستقبلا".

وأضافت أن "المخاطر بأنواعها التي يتعرض لها الطفل في سوق العمل تجعله مؤذيا لذاته وللمجتمع". مضيفة أن "شعور الحرمان في أغلب الأحوال يجعل الأطفال العاملين شخصيات حاقدة على المجتمع، وأدوارها سلبية كآباء وكأمهات وكمواطنين أيضا".

ووفق الأكاديمية الفضلي، فإنه "بتشجيع هذه الظاهرة نحن نفقد التوازن الاجتماعي والأخلاقي والقيمي ونحن نربي مجتمع بأكمله، فكل طفل وطفلة عاملة مشاريع لآباء ولأمهات غير قادرين على بناء أسرة صحية سليمة، والأسرة هي نواة المجتمع".

 جهود غير كافية
وعن الجهود المحلية والدولية لحماية أطفال اليمن وتحسين أوضاعهم، ترى الناشطة الحقوقية العدنية مرام سعيد، أن "معظم هذه الجهود لا تلبي الاحتياج الفعلي والمأمول، وتترك الأطفال يعانون تبعات النزاع والظروف الصعبة دون تأمين حقوقهم الأساسية".

وتضيف أنه "من خلال تحليل الواقع الصعب الذي يواجهه الأطفال في تعز واليمن بشكل عام، تظهر الحاجة الماسّة لتكثيف الجهود الإنسانية وتحقيق العدالة وضمان حقوق الطفولة والعناية بمستقبلها اللامرئي في ظل الظروف القاسية التي يمرون بها".

حتى لحظة كتابة التقرير، ما تزال زينب تعاني ظروفاً صحية قاسية، ويواجه جلال صعوبة في النوم والحصول على الراحة، ويقاسي شعيب وشقيقه عمران ظروفاً مشابهة تتضاعف على وقع رسائل المدرسة ونظرات ولي الأمر، وكل هذا نزر يسير من مخاطر العمل المبكر على أطفال اليمن.