كيف يمكن مكافحة ظاهرة عمالة الأطفال في اليمن؟
لا يوجد إحصائية دقيقة حول عمالة الأطفال باليمن، إلا أن الظاهرة شهدت تزايداً لافتاً خلال سنوات الحرب.
منصّة أطفال اليمن: تقرير خاص- نواف الحميري
في حين يذهب أقرانه كل صباح إلى المدرسة، يسلك زاهر (9 سنوات) طريقاً آخر نحو العمل بأحد بناشر السيارات في مدينة تعز، وحينما يخرجون بعد العصر إلى اللعب والمرح في الأزقة والشوارع يذهب هو إلى عمل آخر في معمل للفحم فترة مسائية.
هكذا يعيش الطفل زاهر، الحرمان والمعاناة اليومية منذ إصابة والده بانزلاق في عموده الفقري جعله حبيس منزله عاجزاً عن القيام بأي عمل.
يقول زاهر لمنصّة "أطفال اليمن" إنه ترك المدرسة وهو في الصف الثالث الابتدائي، ليلتحق بأكثر من عمل لإعالة أسرته التي تضم، إضافة إلى والديه، 8 إخوة أصغر منه.
يتقاضى زاهر، من عمله في البنشر 2500 ريال يومياً، ومن عمله بمعمل الفحم 3 ألف ريال، وهو مبلغ متواضع أمام حاجات أسرته اليومية. إضافة إلى إيجار المسكن، وتكاليف علاج والده التي تبلغ ٣٠ ألف شهرياً وأحياناً ٥٠ ألف ريال، وفق قوله.
كان الأطباء قد قرروا لوالد زاهر، عمليه جراحية إلا أن كلفتها العالية حالت دون إجرائها. تقول والدة زاهر لمنصة "أطفال اليمن" إن زوجها يعيش حالياً على الإبر والمهدئات فقط. متمنّية أن يتعافى من إصابته ويعود زاهر إلى مدرسته وحياته الطبيعية.
الطفل زاهر (9 سنوات)
ظاهرة متفاقمة
حالة زاهر، واحدة من صور المعاناة القاسية التي يعيشها الكثير من أطفال اليمن، في ظل تداعيات الحرب المستمرّة منذ 8 سنوات. ولا يوجد إحصائية دقيقة حول عمالة الأطفال باليمن، إلا أن الظاهرة شهدت تزايداً لافتاً خلال سنوات الحرب.
واحتل اليمن المركز الأول عربياً لعمل الأطفال بنسبة 13.6%، يليه السودان بنسبة 12.6% والعراق بـ4.9%، وفق تقرير أصدرته منظمة العمل الدولية في يونيو ٢٠٢١.
ووفق مسح أجرته المنظمة ذاتها عام 2010، فإن عدد أطفال اليمن الذين أعمارهم بين 5 و17 عاماً 7.7 مليون فرد يشكلون 34.3% من إجمالي السكان اليمنيين. ويبلغ عدد الأطفال العاملين الذين أعمارهم بين 5 و11 عاماً 11%، وترتفع هذه النسبة إلى 28.5% بين الأطفال الذين أعمارهم بين 12 و14 عاماً، وإلى 39.1% لدى الأطفال الذين أعمارهم بين 15 و17 عاماً.
التشريع وعمالة الأطفال
يحظر قانون حقوق الطفل اليمني رقم 45 لسنة 2002 في المادة 133 عمل الطفل دون سن الرابعة عشر. كما يحظر تشغيل الطفل في الأعمال الصناعية قبل بلوغه سن الخامسة عشرة. ويؤخذ عليه أنه لا يوفر الحماية الكاملة للطفل وفق خبراء ومحامين.
يقول المستشار القانوني عمر الحميري، إن هناك قصورًا في التشريع اليمني ومنها أن "المشرع اليمني استثنى الأطفال العاملين مع آبائهم من الحماية القانونية، وكأنه يشجع على عمالة الأطفال". مضيفاً لمنصة "أطفال اليمن" أن "القانون عمل على الحد منها من خلال تنظيم عملهم بزمن أقل من الكبار، ومراعاة ظروف العمل الليلي لهم".
الناشط الحقوقي عبد الملك مهيوب، يرى هو الآخر أن "القوانين غير صارمة ومن الضروري وضع قوانين أكثر تشديدًا وصرامة". مشددًا على ضرورة تطوير القوانين والتشريعات للحد من عمالة الأطفال. وكذا "توفير غطاء رقابي فعّال لإنفاذ هذه القوانين وعدم تجاوزها".
ويقترح مهيوب، في حديثه لمنصة "أطفال اليمن" اتخاذ "سياسات من أجل التغيير الاجتماعي على المدى الطويل، وتكون على مستوى سياسة العلاقات مع أصحاب المصالح كوسائل الإعلام، والمواطنين، والمشرعين وأعضاء المجتمع المدني؛ بحيث تشارك المؤسسات غير الحكومية مع السلطات من أجل الحيطة والحذر والتأكد من تنفيذ القوانين المؤيدة والداعمة للأطفال".
أخطار كبيرة
المستشار الحميري، انتقد غياب الدور الحكومي في مكافحة عمالة الأطفال. وقال إنه "لا بد من تفعيل دور مكتب العمل كونه المسؤول الأول عن تنفيذ حملات تفتيش لمراقبة الأطفال العاملين في المحلات أو الشوارع أو المصانع، ومعرفة أسباب عملهم، وكيفية العمل، وهل هو مناسب لبنية الطفل أم لا، ومعالجة كل ذلك". مؤكداً أهمية "تطبيق قوانين العمل لمكافحة هذه الظاهرة".
من جانبه، مختص الحماية والرعاية الاجتماعية في مكتب العمل بمحافظة تعز الدكتور عبد الرحمن زيد، أكد أن معظم الأطفال يتعرضون لأخطار كبيرة تُلحق بهم الأذى الجسدي بسبب ظروف العمل غير الآمنة. إضافة إلى "الضغوط النفسية الرهيبة والاستغلال والقسوة والعنف بكل أشكاله؛ بما في ذلك العنف الجسدي والمعنوي والجنسي".
وعن دور مكتبه، أوضح زيد، لمنصة "أطفال اليمن" قائلاً: نقوم بدورات مكثفه، وبرامج هادفه بمجال حماية الأطفال بشكل عام ومن ضمنهم الأطفال العاملين". مضيفاً: لدينا حاليًا 17 مركز مجتمعي في 10 مديريات (تعز)، ويعمل فريقنا على حماية الأطفال من أشكال العنف والإساءة والاستغلال".
وتابع: لدينا فريق أخصائيين إدارة الحالة يعملون بجميع المديريات؛ وفقًا للنظام الوطني لإدارة الحالة للأطفال المستضعفين؛ من أجل الحد من المخاطر والانتهاكات التي قد يتعرض لها الأطفال".
آليات لمحاربة الظاهرة
أستاذة علم الاجتماع بجامعة تعز الدكتور ألفت الدبعي، ترى أن محاربة ظاهرة عمالة الأطفال تتطلب تكثيف برامج التوعية والتثقيف، مع ضرورة وجود ضمان اجتماعي للأسر الفقيرة لمساعدتها في الحد من دفع أطفالها إلى سوق العمل مبكرًا. وكذا رفع مستوى الوعي المجتمعي بمخاطر هذه الظاهرة.
وشددت الدكتورة الدبعي، في حديثها لمنصة "أطفال اليمن" على ضرورة "تفعيل دور المؤسسات الرسمية في مجال حماية الطفل". مؤكدة "أهمية التكامل بين الجهات التشريعية والتنفيذية والقضائية للحد من هذه الظاهرة الخطيرة على مستقبل الأطفال ومستقبل البلاد عمومًا".
الحقوقي مهيوب، شدد هو الآخر على ضرورة معالجة أسباب وآثار ظاهرة عمل الأطفال عبر "إجراء الدراسات الميدانية لمعرفة واقع الظاهرة، وعمل تصور واضح للتدخل من جهة، وحشد حملات الدعم والمناصرة لحماية حقوق الأطفال من جهة أخرى".
كما أكد ضرورة "طرح مخاطر عمالة الأطفال ومناصرتهم كقضية رأي عام تهم كل أفراد المجتمع". مطالباً الجهات الرسمية بأن "تكافح عمالة الأطفال بكل الطرق والوسائل اللازمة".
حراك مجتمعي
من جانبه، يرى الصحفي أحمد النويهي، أن "التوعية لا تقتصر على وحدة أو مؤسسة بعينها؛ وإنما تحتاج إلى حراك مجتمعي تشارك فيه كافة القطاعات- حكومية وغير حكومية- لإنشاء وعي جمعي، وتثقيف المجتمع بأهمية حقوق الطفل، وأن إرساله إلى سوق العمل يجعله عرضة للمخاطر بمختلف أشكالها".
ويؤكد النويهي، في حديثه لمنصة "أطفال اليمن" أن "الحملات الإعلامية تلعب دورًا كبيرًا في نشر الوعي الكافي خصوصًا لدى الأسرة". ويرى أن الأسرة إذا "وعت مخاطر هذه المشكلة، ستمتنع عن إرسال أبنائها إلى العمل وحرمانهم من الدراسة".
فباعتقاد الصحفي النويهي، أن "نقص الوعي لدى الأسرة يجعلها غير مدركة لمخاطر استغلال أرباب العمل للأطفال، وإن غياب دور الأسرة، ونقص الحملات الإعلامية سمح لتجار البشر أن ينموا تجارتهم من خلال استغلال الأطفال".
يتفق الصحفي محمد الحريبي، أن للمناصرة "دور مهم في تعزيز الوعي المجتمعي بمخاطر عمالة الأطفال وتأثيراتها". معتبراً أن "المجتمع اليمني اليوم بأمس الحاجة للحملات التوعوية.
ويقول في حديثه لمنصة "أطفال اليمن" إن "المناصرة اليوم تلعب دورًا كبيرًا في المشهد العام باليمن، وتسهم فعليًا في صناعة التغيير". وأضاف: إن تم تركيز حملات المناصرة على قضية عمالة الأطفال فسنرى فارقًا بالتأكيد".