عمالة الأطفال في اليمن.. شيخوخة قبل الأوان

عمالة الأطفال في اليمن.. شيخوخة قبل الأوان

يناير 17, 2024 - 22:23
فبراير 1, 2024 - 18:29
 0  39
عمالة الأطفال في اليمن.. شيخوخة قبل الأوان
الطفل أشرف (11 عاماً)


منصة أطفال اليمن: تقرير خاص- ياسر الجابري

ظل الطفل أشرف (11 عامًا)، يراقب من بعيد أقرانه الأطفال، وهم يلعبون كرة القدم بإحدى حواري العاصمة صنعاء، قبل أن يضع بضاعته التي يبتاعها متجولًا، ويهرع نحوهم لممارسة هوايته في لعب الكرة.
فقد أشرف، والده قبل بضعة أشهر، وتحمّل بعدها مسؤولية إعالة أسرته المكوّنة من خمسة أفراد: والدته وأربعة إخوة أصغر منه، آخرهم لم يتجاوز عمره سنة واحدة، وشقيق آخر خمس سنوات، وأخت عمرها ثلاث سنوات.
كان والد أشرف، يعمل سائقاً لدراجة نارية، وتوفي أثناء عمله عليها. قبل وفاته بأشهر كان قد استقدم أسرته من ريف مديرية وصاب التابعة لمحافظة ذمار، نظرًا لصعوبة العيش فيها، واستأجر لها منزلًا بمنطقة "ضبوة" جنوب شرق صنعاء، يقول أشرف لمنصة "أطفال اليمن".

دخل ضئيل
أُجبر أشرف، على العمل في سن مبكّر تاركًا خلفه طفولة مقهورة، وحُرم من أبسط حقوقه كطفل، ومنها اللعب والتعليم. بات يقضي نهاره وليله كبائع متجول لبيع مناشف يد وبعض الملابس البسيطة. يبدأ عمله صباح كل يوم إلى الظهر، ومن العصر حتى بعد العشاء.
يجني أشرف، من هذا العمل ما بين 700 - 3000 ريال يوميًا؛ يوفر من خلالها إيجار منزلهم البالغ 25 ألف ريال، ويساعد والدته في توفير بعض مصاريف البيت، وفق حديثه لمنصة "أطفال اليمن".
لم يلتحق أشرف، بالمدرسة إطلاقاً؛ فقد دفع به والده إلى العمل منذ وقت مبكر؛ ليساعده في توفير لقمة العيش له ولإخوانه، وفق قوله.
يحلم أشرف، بأن يعيش طفولته كباقي الأطفال، يلعب ويدرس ويتعلم، لكنه يدرك أن ظروف الحياة لا تسمح له بذلك. يقول بنبرة حزينة: "ما معنا أحد يدي لنا لو خرجت أدرس واترك الشغل". مستدركاً: "معنا خالي يجيب لنا مبلغ 1000 ريال بشكل شبه يومي ليساعدنا".

طفولة مقهورة
أشرف، ليس حالة مفردة، بل تجسيد لمعاناة ملايين الأطفال في اليمن؛ ممن جعلتهم الحرب يحملون همومًا أكبر من أعمارهم. يواجهون ظروفًا معيشية قاسية تسحق نفسياتهم، وتبدد آمالهم وطموحاتهم. تورثهم الحسرة، وتجعلهم يكبرون محرومين مهزومين في أعماقهم.
تقول منظمة العمل الدولية، في دراسة أصدرتها مايو الماضي، إن الأطفال في اليمن يستدرجون بشكل متزايد إلى أسوأ أشكال عمل الأطفال، ويتعرضون للاستغلال والاعتداء. موضحة أن عمالة الأطفال في اليمن تتركز في أشغال وأنشطة شاقة وخطيرة في قطاعات مختلفة؛ كالبناء والتجارة والزراعة، وبأجور متدنية للغاية.
في السياق ذاته، وصفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، الظروف التي يعيشها أطفال اليمن بأنها "تجلب العار على البشرية". وقالت في تصريح صحفي أواخر 2018، إن "15 مليون طفل (يمني) غارقون في بحر الجراح، وأصواتهم مكتومة"
تقارير حقوقية متعددة، أكّدت أن أطفال اليمن يتعرضون لأسوأ أنواع الانتهاكات على مستوى العالم، مع استمرار سياسة الإفلات من العقاب، وغياب أدوات المحاسبة للمتورطين فيها.

تأثيرات نفسية واجتماعية
أرجعت الأخصائية النفسية منيره النمر، زيادة عمالة الأطفال في اليمن، إلى "الحرب، والتدهور الاقتصادي، والظروف المعيشية للأسر بعد انقطاع المرتبات، ما دفع بعض الآباء لإجبار أطفالهم على العمل، فضلًا عن تحمل بعض الأطفال مسؤولية أسرهم؛ نتيجة فقدان معيلها خلال الحرب. 
وعددت الأخصائية النمر، وهي رئيسة الوحدة النفسية لمستشفى الرسالة للطب النفسي وعلاج الإدمان بصنعاء، تأثيرات عمالة الأطفال على حياة الأطفال نفسيًا واجتماعيًا وتعليميًا. وقالت إن الطفل العامل يشعر بانخفاض مستوى تقدير الذات؛ نتيجة تعرضه لكثير من الإساءات، ناهيك عن التدهور في المستوى التعليمي، حيث تنخفض قدراته على التحصيل العلمي. 
وأضافت النمر، في حديثها لمنصة "أطفال اليمن" أن عمل الأطفال ينتج عنه أيضاً "قتل للإبداع، والتطور العاطفي؛ كون الطفل يشعر أنه غير مقبول اجتماعيًا في بعض الأحيان، خصوصًا الأطفال الذين ينخرطون في أعمال لا تتناسب مع سنّهم وبنيتهم الجسدية، حيث يتعرض بعضهم للأسف للانتهاكات الجسدية سواء الأطفال الذكور أو الإناث، وعدم قدرتهم الدفاع على أنفسهم".
استغربت الأخصائية النفسية، عدم قيام المنظمات بواجبها للحد من عمالة الأطفال. مطالبة الصندوق الاجتماعية بتوفير مساعدات شهرية للأسر التي فقدت عائلها. داعية لإصدار قوانين تجرّم عمل الأطفال. وحثت على تعزيز الوعي المجتمعي بقضايا الطفولة وحمايتهم عبر إلحاقهم بالتعليم ولو إجبارًا. وفق تعبيرها.

أضرار صحية
الدكتورة أحلام المهدي، أخصائية في مستشفى الثورة بصنعاء، قالت لمنصة "أطفال اليمن" إن العمل يلحق أضرارًا صحية جسيمة بالأطفال. موضحة أن هذه الأضرار تعتمد على نوع العمل وسن الطفل بشكل أساس. إضافة إلى بنية الطفل الجسمانية والصحية، والتي غالبًا تكون مهملة؛ نتيجة الظروف التي دفعت الطفل للخروج إلى العمل في سن مبكر.
وقالت إن الطفل العامل يفقد الكثير من مقومات الصحة العامة كالتغذية الجيدة، التي تعتبر أساسًا لبناء مناعة الجسم ضد الأمراض، ناهيك عن الصحة النفسية، والرعاية الصحية في حالة الإصابة بأي مرض، حتى ولو كان بسيطًا ويحتاج لتدخل طبي بسيط لمنع مضاعفاته".
ووفقًا لما سبق، قالت الأخصائية المهدي، إن الطفل يكون عرضة للأمراض الكثيرة، ومنها على سبيل المثال: "التهابات الصدر والشعب الهوائية ومضاعفاتها التي قد تودي بحياته، وكذا التهابات المسالك البولية ومضاعفاتها، والتي قد تؤدي إلى الفشل الكلوي". 
وأضافت أن "أمراض سوء التغذية تعد من الأمراض التي تواجه الأطفال، وما ينتج عنها من نقص المعادن الأساسية للجسم، وهذه كلها عوامل خطيرة على الصحة العامة للطفل، وقد تؤدي به إلى فقدان الحياة إذا لم يتم التعامل معه بشكل سليم".
هذه الأمراض التي تلحق بالطفل بشكل عام، وهناك أمراض أخرى، وفق الدكتورة أحلام، "ترتبط بنوعية الأعمال التي يمارسها الأطفال، فهذا يعتمد على بيئة العمل ونوعيته؛ فقد تكون بنية الطفل الجسمية نوعًا ما مساعدة؛ لكن العمل يستهلك هذه البنية". 
حذّرت الدكتورة المهدي، من مخاطر عمل الأطفال في المهن الثقيلة؛ كالعمل داخل الورش المختلفة، وما ينجم عنها من التعرض لأنواع كثيرة من الزيوت والأبخرة السامة المتصاعدة. وكذا التجول في الشوارع لساعات طويلة تحت أشعة الشمس، وفي البيئات غير النظيفة، والتي تؤدي في مجملها إلى التعرض لضربات الشمس، والإصابة بالحميات المختلفة".

لا حماية
تشهد اليمن واحدًا من أعلى معدلات النمو السكاني في العالم بنحو 3.02%، في حين يعيش 41.8% من سكان البلاد تحت خط الفقر الذي يعد المغذي الرئيس لعمالة الأطفال، وتقل أعمار 45.9% منهم عن 15 عاماً، وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وتعد اليمن من أوائل دول العالم التي تلتزم بتحسين حقوق الأطفال، حيث صادقت على اتفاقية حقوق الطفل عام 1991، وأصدرت قانون حقوق الطفل الذي يحظر عمل الأطفال ممن هم دون سن الـ14، ويحظر تشغيل الطفل في الأعمال الصناعية قبل بلوغه سن الـ15. 
وتضمنت أهداف التنمية المستدامة التي اعتمدها قادة العالم عام 2015 تجديد الالتزام الدولي بإنهاء عمل الأطفال؛ كون عمالة الأطفال- لا سيما أسوأ أشكالها- تحرمهم من طفولتهم وتعليمهم. وتزيد من مخاطر تعرضهم للأخطاء الجسيمة، والأمراض والاستغلال.
رغم كل ما سبق، إلا أن "عمالة الأطفال" باليمن باتت واحدة من ظواهر الحرب المؤلمة، وسط غياب الحماية من قبل الجهات الرسمية، وضعف دور المنظمات والوكالات الدولية.
كحال أشرف، يعيش غالبية أطفال اليمن التشرد والاستغلال والحرمان: حياة جافة، فارغة من أي مباهج. مظاهرهم حزينة، وعيونهم مثقلة بهموم السنين. تلك سنوات الحرب المدمّرة، حيث تشيخ الطفولة قبل أوانها، وتصادر أحلام الصغار قبل مولدها.