الطفولة المشنوقة 

ديسمبر 26, 2024 - 15:56
ديسمبر 26, 2024 - 16:06
 0  32
الطفولة المشنوقة 
صورة الضحية "عمر القمحي" قبل وبعد الانتحار

منصة أطفال اليمن / سمر العريقي

شهدت اليمن خلال السنوات الأخيرة موجة متزايدة من حالات الانتحار بين الفئات العمرية المختلفة، لكن الملفت في الأمر ارتفاع تلك الحالات بين الأطفال مما ينذر بكارثة إنسانية لا يُعرف عواقبها في ظل انعدام المعرفة بالدوافع والأسباب التي تجعل الأطفال بشكل خاص يقدمون على الانتحار.

تقرير لوزارة الداخلية اليمنية تحدث عن ارتفاع حالات الانتحار خلال العام 2023 مسجلاً 148 حالة انتحار بين مختلف الفئات العمرية بينها 23 في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية في كل من  تعز ومارب وعدن وبقيتها في مناطق سيطرة الحوثيين، مشيراً الى أن حالات الوفاة بسبب الانتحار مثلت 1.09% من إجمالي الوفيات في الجمهورية اليمنية.

التقرير أرجع تلك الحالات الى أسباب مصدرها الضغوط النفسية جراء الحرب التي أدت الى تعطيل الحياة والضغوط الاقتصادية والاجتماعية.

في اليمن تسبب الصراع المندلع منذ عشر سنوات في تدمير البنية التعليمية مما أدى الى تسرب ملايين الأطفال من الفصول الدراسية ودفع بغالبيتهم الى سوق العمل وتكلف المسؤوليات التي لا تتناسب مع مستواهم العمري، الأمر الذي جعل بعض المتخصصين يرجع حالات الانتحار بين الأطفال الى تلك الأسباب.

فخلال أقل من شهر رصدت منصة أطفال اليمن ثلاث حالات لأطفالٍ وجدوا معلقين بمشانق حول رقابهم في مشهد مفزع لا يستطيع الإنسان تحمله، حيث وجدت هذه الحالات في مناطق متفرقة في المحافظات اليمنية.

ففي الرابع من ديسمبر الحالي وُجدت الطفلة "أريام.م.د" البالغة من العمر 17 عاماً مشنوقةً داخل غرفتها الخاصة في منزل أسرتها الواقع في حي الشهداء بمنطقة باب اليمن في العاصمة صنعاء، حيث يقول السكان أنها أقدمت على الإنتحار بعد تعرضها للضرب من قبل والدها إثر شجار حصل بينها وبين أخيها الأكبر.

لم يكن يعرف والد أريام أن تدخله بالضرب لصالح ولده ستكون نتيجته كارثية الى هذا المستوى،  فقد أصيب بالصدمة والذهول بعد رؤيته لابنته أريام معلقة مشنوقة في غرفتها حسب قول السكان الذين أفادوا أيضاً أن الأسرة بأكملها تعيش حالة من الذهول وعدم التصديق.

أما الطفل "عمر القمحي" فقد وجده السكان يوم الجمعة 6 من ديسمبر 2024 مشنوقاً الى شجرة في إحدى المزارع في منطقة "بيت العنزي" التابعة لمديرية خمر بمحافظة عمران شمال اليمن.

يقول السكان أنهم وجدوا الطفل مربوطاً الى شجرة مؤكدين أن القضية يكتنفها الغموض وأنهم لا يصدقون أن الطفل أقدم على الإنتحار، مشيرين الى أنه لا يوجد دوافع لإقدام طفل في سن عمر على ذلك.

الصحفي يوسف القحمي- وهو صحفي يمني من محافظة الطفل عمر- يقول أن: "حادثة الطفل عمر القمحي ليست الأولى في محافظة عمران -وأتمنى أن تكون الأخيرة- فقد سبقتها حوادث عديدة ومن وجهة نظري كمتابع للأحداث في المحافظة فالعملية ليست عملية انتحار وإنما هي بفعل فاعل جنائي بحت، لأن الطفل كان يعمل منذ سنوات بين هذه المزارع لإعانة والده على أعباء الحياة ولم يتحمل مسؤولية بعد ولم يكن يعاني من أمراض نفسيه تدفعه للانتحار". 

وأضاف الصحفي القحمي : "من خلال متابعة القضية فعائلة الطفل ليست مقتنعة أن طفلهم أقدم على الانتحار وإنما تم وضعه على هيئة أنه مات منتحرا بعد الاجهاز عليه خنقا، ولم يوجهوا أصابع الاتهام لأحد لعدم وجود خصومات بين الطفل ومالكي المزارع في  المنطقة ولعدم وجود أدلة قاطعة تتهم أشخاص أو جهات محددة".

محافظة إب وسط اليمن كانت هي الأخرى قد شهدت حالات انتحار للأطفال، فقد وثقت منصة أطفال اليمن بتاريخ 22 نوفمبر 2024 إقدام الطفل" م ع ب" على الإنتحار شنقاً، بعد إفادة سكان عزلة "الشرقي" بمديرية مذيخرة التابعة لمحافظة إب بذلك. 

وشكك سكان عزلة الشرقي بحادثة الإنتحار ودعوا السلطات المعنية الى فتح تحقيق في الحادثة.

دوافع الانتحار لدى الأطفال

رئيسة منصة إكسير للطفول الإعلامية "آية خالد" تقول ان هناك عدة أسباب تدفع الأطفال للإنتحار أولها المشاكل النفسية التي قد يصاب بها الطفل، فمثلاً قد يمر الطفل بمشكلة أو ضغط نفسي معين يؤدي الى اضطراب ثم يتطور الأمر الى الصدمة، فاذا لم يعالج الطفل خلال ثلاثة الى خمسة أشهر تتحول الصدمة الى اكتئاب وهو آخر مراحل الأمراض النفسية والذي يؤدي الى سلوكيات عنيفة أو انطواء أو انعدام ردَات الفعل وتكوين عالم خاص داخل ذهنية الطفل.

تضيف آية خالد أن الطفل بعد اصابته بالاكتئاب تظهر عليه شحنات مفاجئة وإمكانية الإصابة بالتوحد وخلق أفكار عدوانية وعدم الرضى عن حياته والمجتمع الذي ينتمي إليه مما يدفعه الى التخلص من كل ذلك عبر فكرة الإنتحار.

تشير آية الى أن الحرب في اليمن هي المأساة التي تسببت في الكثير من المعاناة بين اليمنيين وخاصة الأطفال فمشاهد القتل اليومية، حسب قولها، ومقاطع الاشتباكات التي تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، كانت عاملاً مهماً في استبساط فكرة الإنتحار والموت لدى الأطفال اليمنيين.

وكذلك تضيف آية خالد أن الألعاب الالكترونية مثل لعبة "الفيل الأزرق" ولعبة "البوبجي" وغيرها من الألعاب القتالية ذات المحتوى العنيف والتعرض لمحتوى العنف داخل وسائل التواصل الاجتماعي و السوشل ميديا واليوتيوب، كل ذلك يدفع الأطفال الى التقليد والمحاكاة.

ووجهت آية خالد رسالة الى الأسر اليمنية بضرورة تفعيل الرقابة على المحتوى التي يتعرض لها الطفل لكل مرحلة عمرية وتقنينه بمدة زمنية وتجنب المحتوى العنيف، داعية الأسرة أن تكون قريبة من الطفل لمعرفة مشاعره ومعرفة البيئة المحيطة به وتجنب العنف الأسري في مواجهة الأخطاء التي يقع فيها كل الأطفال، ومحاولة تحبيب الحياة للطفل وتوفير البيئة السليمة داخل البيت عبر النقاشات الأسرية الدائمة.