الأمراض النفسية.. وجع صامت لأطفال اليمن في ظل الحرب

منصة أطفال اليمن - صلاح الواسعي
لا شك أن اندلاع الحرب في اليمن منذ عشر سنوات قد أثرت على الصحة النفسية لجميع الفئات العمرية، لكنها أثرت على الأطفال بشكل أكثر حدة، وهذا ما يدفع للتساؤل: ما مدى تأثير هذه الحرب على الحالة النفسية للأطفال؟ وهل هناك جهود تبذلها السلطات المحلية أو المنظمات الدولية والمجتمعية لمعالجة هذه الظاهرة؟
جياز السامعي، مواطن يمني يعيش هو وأطفاله في المناطق القريبة من خطوط التماس في مدينة تعز، يحكي معاناته لمنصة أطفال اليمن: "أشاهد آثارًا كثيرة على طفلي أثناء نومه، وفي أوقات الظهيرة أجده يبكي ويصيح مع هذيان وإصدار بكاء في أغلب الليالي، فأقوم بتهدئته وطمأنته وإعطائه بعض الحلوى والألعاب كي يعود لوضعه الطبيعي، إلا أن الفزع والخوف يظل يرافقه باستمرار، وبرغم الهدنة التي تعيشها اليمن 2022 إلا أن الأحداث مازالت عالقة في ذهنه".
غياب الدعم النفسي
رغم المعاناة النفسية التي يعيشها أطفال اليمن, إلا أن المبادرات المتخصصة في مجال الدعم النفسي قليلة خصوصا التي تعنى بمجال الأطفال، حيث يقول الكاتب اليمني سلمان الحميدي: "في اليمن كلها لدينا 45 طبيب نفسي فقط، الأمم المتحدة تقول في احصائيات إن قرابة من ثلث الشعب اليمني بحاجة إلى رعاية نفسية".
يضيف الحميدي:" تخيل هذا هو الوضع النفسي لليمن, معتل, وامكانيات شحيحة, وليس لدينا أطباء أطفال متخصصين بالصحة النفسية."
تقول مديرة منصة اكسير الطفولة "آية خالد" لمنصة أطفال اليمن:" أستقبل يوميًا ما بين سبع إلى ثماني استشارات نفسية من أسر تسعى لمساعدة أطفالها، وتسير إلى أن بعض العائلات تتردد في اللجوء إلى الأطباء النفسيين خوفًا من تأثير الأدوية المستقبلية على أطفالهم."
وعبّرت خالد, وهي مديرة المنصة الوحيدة في اليمن المتخصصة في تقديم خدمات الدعم النفسي للأطفال, عن أملها في إنشاء مراكز متخصصة للدعم النفسي للأطفال في اليمن، مؤكدة على أهمية التدخل المبكر في حالات ظهور أي أعراض نفسية على الأطفال لضمان تقديم الدعم اللازم بسرعة وكفاءة.
يقول محمد الإيطالي, وهو خبير النفسي ومدير مركز أكسجين للدعم النفسي في عدن لـمنصة "أطفال اليمن"، أن التقديرات تشير إلى أن 22% من المجتمعات المتضررة من النزاعات تعاني من مشكلات نفسية, ملفتا بأن الأطفال هم الفئة الأكثر تأثرًا نفسيًا في مناطق الصراع.
وأوضح الإيطالي أن الأطفال لا يمتلكون قاموسًا لغويًا واسعًا للتعبير عن معاناتهم، ما يجعل آثار الصدمات تظهر على شكل تغيرات في الشخصية والنمو النفسي والعاطفي.
ولفت الإيطالي إلى عدد من العلامات التحذيرية التي قد تشير إلى تأثر الأطفال نفسيًا، منها اضطرابات النوم، مثل الأرق أو الكوابيس، التبول اللاإرادي أثناء النوم، التأتأة وصعوبة في الكلام، تراجع في التركيز والفهم، أو الميل إلى السرحان، الخوف الزائد، السلوك العدواني، أو العزلة الاجتماعية.
وتفيد سمر القحطان, وهي طبيبة متخصصة في طب الأطفال, أن الأطفال الذين يتعرضون للصدمات قد يعانون من أعراض جسدية إضافة إلى الأعراض النفسية كالصداع، الغثيان، آلام البطن، والإسهال، مشيرة إلى أن هذه الأعراض قد تظهر بعد أيام أو أسابيع من التعرض للصدمة.
وبحسب دراسة لمركز صنعاء للدراسات عام 2017، فإن أطفال صنعاء وعدن وتعز وأبين يعانون بشكل متزايد من مشاعر الخوف، وانعدام الأمان، والقلق، والغضب.
كما أشِارت الدراسة إلى أن 31٪ من الأطفال اليمنيين يعانون من أعراض جسدية، مثل الصداع وآلام الصدر والبطن والإرهاق، التي اعتُبرت علامات على ضائقة نفسية، 5٪ من الأطفال يعانون من التبول اللاإرادي، 2٪ عادوا للتأتأة،47٪ يعانون من اضطرابات في النوم، 24٪ يعانون من صعوبة في التركيز ونوبات هلع.
وأشار الإيطالي إلى أن توفير المساحات الآمنة للأطفال من أهم التدخلات النفسية المطلوبة من قبل الدولة ووزارة الصحة, كما يمكن للأخصائيين الاجتماعيين اكتشاف الحالات المتضررة وإحالتها إلى مختصين نفسيين لمتابعة العلاج.
وذكرت سميرة قحطان خطوات وقائية لحماية الأطفال نفسيًا أثناء الحرب، مطالبة أطراف النزاع بتجنب استهداف الأطفال، وتشجيع الأطفال على التعبير عن مشاعرهم بحرية، والسماح للأطفال بالبكاء عند الحاجة، وتجنب تعريضهم لمشاهد عنيفة أو قاسية، وتنظيم جلسات تأهيل نفسي تشمل تمارين التنفس، الرسم، وقراءة القصص، والتواصل مع الأطفال بوضوح حول الأحداث بما يناسب أعمارهم وإدراكهم.
كما دعت قحطان الى ضرورة تقديم الدعم العاطفي لهم وتوفير مأوى آمن ومستقر، وتخفيف التوتر في المنزل من خلال، المحافظة على هدوء الأهل وثباتهم، وتقليل متابعة الأخبار والصور العنيفة، والحفاظ على الروتين اليومي وتنظيم نشاطات مرحة، وتعزيز نمط حياة صحي، مثل النوم الجيد وممارسة التمارين، تنمية الجانب الروحي لدى الأطفال، مثل الدعاء والتضرع.
وهو ما يؤكده المواطن "جياز السامعي"، نشعر بالعجز عن تلافي ومعالجة آثار الحرب في نفوس أطفالنا نتيجةً للأوضاع المعيشية الصعب وتدهور الإقتصاد وانعدام سبل الحياة كما أننا أجبرنا على العيش والتكيف في بيئة مُحاطة بالأخطار ودون حماية لنا ولأطفالنا.
ويضيف السامعي :"ومع كل هذه المخاوف إلاّ أننا لم نلمس أي تدخل يذكر من قبل السلطات الحكومية أو المنظمات الغير حكومية التي تختص بدعم الطفولة وحقوق الطفل من أجل تقديم الدعم المعنوي والرعاية الطبية."
من جانب حكومي، صرّح علي الحاج، منسق البرنامج الوطني للصحة النفسية بمحافظة تعز، لـ"منصة أطفال اليمن عن عدم وجود إحصائيات دقيقة حول عدد الأطفال الذين تعرضوا نفسيا من الحرب موكدًا أن هناك نسبة تتراوح بين 5-10% من الأطفال يحتاجون إلى دعم نفسي من مركز غير متخصص، بينما يحتاج 3-5% إلى خدمات صحية نفسية متخصصة.
وأكد الحاج أن مكتب الصحة والسكان بالشراكة مع مكتب الشؤون الاجتماعية وتمويل من منظمة اليونيسف، نفذت برامج حماية ودعم نفسي للأطفال منذ عام 2016، في المناطق المحررة من تعز. شملت هذه البرامج مساحات صديقة متنقلة وثابتة ومراكز صحية، لكنها لم تكن كافية لتغطية الاحتياجات في المدينة بالكامل حسب قوله.
وأضاف أن هناك نقص في الكوادر الصحية المدربة والمؤهلة في مجال الصحة النفسية، وقلة الاستثمارات الموجهة لدعم هذا القطاع، خاصة في تأهيل الكوادر البشرية، شح الدعم المالي المخصص لبرامج الصحة النفسية بشكل عام.
تقارير
وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية، يُقدّر عدد المتأثرين بالصدمات النفسية والإجهاد الناجم عن النزاع المستمر في اليمن بنحو 7 ملايين شخص، أي ما يعادل ربع السكان. ومع ذلك، فإن أقل من 120 ألف شخص فقط يتمكنون من الحصول على دعم نفسي مستمر.
أشارت دراسة صادرة عن مركز صنعاء للدراسات بعنوان "أثر الحرب على الصحة النفسية في اليمن: أزمة مهملة" (2017)، إلى أن الأطفال دون سن الرابعة عشرة يشكلون 44% من سكان اليمن، مما يجعلهم الفئة الأكثر تأثرًا بآثار الحرب. ووفقًا للإحصائيات، هناك نحو مليوني طفل محرومين من التعليم، إضافة إلى معاناة 462,000 طفل من سوء التغذية الحاد، وتجنيد حوالي 1,500 طفل في النزاعات المسلحة.