غياب إعلام الطفل في اليمن

يناير 18, 2025 - 17:54
فبراير 5, 2025 - 01:07
 0  70
غياب إعلام الطفل في اليمن

منصة أطفال اليمن - هبة التبعي

" لم أعد أحب التلفاز ولا أشاهده, لا يوجد فيه شيء يعجبني مشاهدته, أنا اعتمد على اليوتيوب لأشاهد مسلسلات الكرتون وألعاب الفيديو, وأحب أقضي فيه ساعات كثيرة إلا أن أمي تمنعني من قضاء وقت طويل بالهاتف", يقول لنا محمد زياد ذو العشرة أعوام.

وتردف أم زياد وهي معلمة في مدرسة خاصة:" أدرك أهمية الإعلام وما يتعرض له الطفل في التأثير على وعيه وثقافته وشخصيته, إلا أننا لا نجد المحتوى الهادف المناسب للأطفال, لا نمتلك قناة تلفزيونية واحدة, ولا يوجد برنامج تعليمي أو توعوي أو ترفيهي خاص بالأطفال في الإعلام اليمني, لذا يترك الأطفال التلفاز ويتجهون إلى اليوتيوب لمشاهدة محتوى أطفال أجنبي فيعيشون في خيال بعيد عن الواقع اليمني, وثقافة غير ثقافتنا ويتشكل وعيهم على نحو لا نحبذه كيمنيين وعرب مسلمين"

وترى أم زياد  أنه من الضروري أن يكون لدينا محتوى أطفال يتناسب مع ثقافتنا وأخلاقنا, ويركز على السلام والتعاون بين الأطفال ويدعم التعليم من خلال أساليب ممتعة, وتقول:" أدعو منظمات المجتمع المدني, ووسائل الإعلام, والحكومات إلى الاهتمام بمحتوى يلائم أطفالنا ويساعدهم على النمو في بيئة إيجابية وصحية".


ما الذي يمكن للإعلام أن يقدمه للطفل؟

يقول هاشم الراقي, وهو مختص تربوي, الإعلام مهم جدا بالنسبة للطفل، فهو يقدم الثقافات المختلفة والموروثات التي لا يستطيع الطفل أن يميز بين أسوأها وأفضلها ولا التفريق بين الإيجابيات والسلبيات إلا أنه يشكل وعيه وفكره وشخصيته وثقافته وفقا لهذا المحتوى الذي يتعرض له, وهذا ما يجعل إعلام الطفل محور اهتمام بالغ من أفراد المجتمع كافة.

ويضيف هاشم الراقي:" لا نتساهل بوسائل الإعلام أبدا فمحتواها يمكنه أن يقدم الكثير للطفل في تنمية ثقافته ومداركه العقلية والعاطفية والاجتماعية وصقل مواهبه، كما أنها وسيلة توجيه وترفيه قوية تنقل القيم وترسخ وتغرس عادات وتقاليد ومعارف، بالإضافة إلى كونها أقوى وسائل التعليم وتنمية الخيال والمشاعر الداخلية، وزيادة الغزارة المعرفية، وتعلمهم لغة العصر والتواصل وتعزيز التعاطف المجتمعي".

محتوى ضئيل

وفقا لدراسة مسحية أعدها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي, أن وسائل الإعلام اليمنية النشطة ضمنت إلى نهاية العام 2017 (258) وسيلة إعلامية ما نسبته 8% قنوات فضائية, و8% مطبوعات "صحف", 14% إذاعة محلية, 68% مواقع إخبارية, وكل هذه الوسائل لا تتضمن اهتماما ملحوظا بالطفل, كما لم تخصص وسيلة واحدة بالطفل والمحتوى الذي يناسبه.

الفراغ النفسي

يرى محمد المخلافي، وهو أب لطفلين، أن لدينا غزارة وثراء في التراث والثقافة والحضارة، ولدينا من العظمة ما يكفي لنقله لأطفالنا بفخر وبأسلوب ترفيهي ممتع، يكسبهم الثقافة ويبني الوعي إلا أننا لم نستغل ما لدينا وذهبنا إلى الثقافة الغربية المختلفة عنا فكرا وديناً.

ويقول وديع سلطان، مختص علم نفس تربوي، أن غياب هذا النوع من الإعلام المختص بالأطفال  يتركهم عرضة لتأثيرات سلبية، فهم يعتمدون على المحتوى الغربي الذي بدوره يضعف ارتباطهم بهويتهم الوطنية ويؤثر على نظرتهم للعالم، فالأطفال بحاجة إلى محتوى يعكس واقعهم ويعالج قضاياهم بطرق بسيطة وإيجابية.

أما أغولايش محمد، وهو إعلامي وباحث تربوي في الإعلام اليمني، أن احتياج الطفل لهذا المحتوى ليس ترفيهاً فقط بل هو تلبية لاحتياجاته النفسية واللغوية والجسدية، فهو يعمل على تعزيز العواطف كالقبول، والأمن، والانتماء، كما أنها تحمي الطفل من المحتويات الضارة كالعنف، الكراهية، والايحاءات الجنسية.

تحديات وعوائق

يقول عمر الطيار, وهو إعلامي يمني، أن البرامج والمسلسلات الخاصة بالأطفال ضئيلة وتكاد تكون معدومة في اليمن، وذلك لعوامل كثيرة، أهمها الحرب والصراعات الجائرة منذ عشر سنوات، جعلت من وسائل الإعلام ترى أن برامج الأطفال هي مجرد تسلية وترفيها في الوقت الذي يعيش أغلب أطفال البلاد مشردون ونازحون ويبحثون عن لقمة العيش وحياة كريمة ومأوى في مخيمات النزوح.

ويضيف الطيار وهو مذيع متخصص بالأطفال في إذاعة وطني fm، أن الحرب جعلت وسائل الإعلام تلتفت لما هو أهم في مناقشة القضايا، فمثلا لا يمكن لقناة فضائية تبث أغلب ساعاتها أخبار الصراعات والحروب والاقتصاد المنهار، ثم تأتي ببرامج أطفال تعكس رفاهية الأطفال باليمن، لأن أطفال اليمن، أو الفئة العظمى منهم، حسب تصور وسائل الإعلام يعانون وليس لديهم وقت للرفاهية.

ويذكر الطيار أن : " التمويل يمثل عائقا كبيرا أمام إنتاج محتوى متخصص بالأطفال  كما أن هذا المحتوى يتطلب تدريباً وخبرة بالتكنولوجيا، وهذا يصعب تحقيقه في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور، وضعف مصادر التمويل لوسائل الإعلام، كما أنه لا يوجد وعي مجتمعي كاف بأهمية الإعلام الموجه للطفل ودوره في تنمية مهارتهم وتعزيز هويتهم، وعليه فإن وسائل الإعلام تفضل التركيز على المحتوى العام الذي يجذب الإعلانات والدعم الخارجي".

ففي دراسة علمية أعدها خبراء المجالس القومية، وجدوا أن هناك (166) متخصصا في ثقافة الأطفال في العالم العربي مقابل 22 مليون طفل عربي, أي أن إعلام الطفل يحتاج لتأهيل إعلاميين متخصصين في إنتاج بيئة تربوية إعلامية قيمة.

 محتوى الأطفال

يردف أغولايش : " لا يمكن للإعلام العربي أن يكفل وظيفة رعاية وتنشئة الطفل في مختلف مراحل نموه دون أن يفصل الأهداف المالية والاستثمارية عن أخلاقيات الإعلام الضرورية لصناعة المحتوى الموجه للأطفال". 

ويواصل أغولايش:" يجب على وسائل الإعلام اليمنية أن توظف الأدب الشعبي اليمني كأداة لإحياء ثقافة الطفل، وهناك حاجة ماسة إلى دعم المشاريع التي تهتم بأدب الطفل وتحويلها إلى محتويات إعلامية جادة، كما يمكن الاستلهام من مجهود الشخصيات الرائدة في هذا المجال مثل الكاتبة الراحلة مها صلاح، التي كتبت قصصاً للأطفال منها "منار وأمينة في معرض الكتاب"، و "الشجرة تثمر بسكوتها" وهي مسرحية للأطفال".  

في بلد أنهكته الحروب وأثقلته الأزمات، يغيب إعلام الطفل عن المشهد كليا، تاركين أطفال اليمن في ظلام إعلامي يفتقر إلى التوجيه والتثقيف، فغياب إعلام الطفل في اليمن يهدد مستقبل المجتمع، حيث ينمو الأطفال بعيدا عن منصات تعزز قيمهم وتغذي خيالهم وتدعم أحلامهم.