أطفال اليمن ضحايا رُهاب اللقاح

فبراير 23, 2025 - 16:35
 0  12
أطفال اليمن ضحايا رُهاب اللقاح

منصة أطفال اليمن - إصلاح صالح

على سرير صغير في إحدى مستشفيات مدينة عدن، ترقد سمر ذات السبعة أعوام، وقد نهش وباء الكوليرا جسدها النحيل، وإلى جانبها يقف والدها مترقباً وضع ابنته بقلق وخوف وتأنيب ضمير لرفضه أن تأخذ طفلته أي لقاح منذ ولادتها. سمر ليست الوحيدة هنا في هذا المستشفى للعلاج من هذا الوباء الذي لا ينتقي ضحاياه، فعلى السرير المقابل لسريرها ترقد الطفلة جنى وتظهر علامات الوباء على جسدها، وإن لم تتأكد إصابتها به بعد، لكن ما تعانيه من إسهال حاد وحمّى، جعلتها في وضع المشتبه بإصابتها.

في شهر ديسمبر من العام المنصرم 2024، نفذت وزارة الصحة العامة والسكان في عدن حملة لتحصين أكثر من 3 ملايين شخص ضد وباء الكوليرا، بالتعاون مع منظمتي الصحة العالمية واليونيسيف، بدعم من حلف اللقاح العالمي، واستهدفت 6 محافظات بمشاركة 7 آلاف عامل، لكن تبقى فاعلية هذه الحملات غير مجدية بسبب عدم شمولها مختلف مناطق البلاد، وخوف وتجاهل الكثيرين لأهمية اخذ اللقاحات وإبقاء أطفالهم خارجها.

رُهاب اللقاح
وفي مركز الرعاية الصحية بعدن، تقف وفاء حاملة طفلتها ذات الربيع الرابع، في طابور الانتظار، لم تتوقف الأم عن سؤال كل الأشخاص حولها عن مأمونية اللقاح الذي جُلب لتحصين الأطفال من وباء الكوليرا الذي بدأ يتفشى بشكل كبير، لكن هذا الشك لم يكن صدفة بل نتيجة نشر معلومات تفيد أن اللقاحات التي وصلت إلى اليمن غير آمنة وخطرة، وخصوصا تلك الصادرة من أعلى هرم سلطة جماعة الحوثيين التي تحظر دخول اللقاحات إلى مناطق سيطرتها منذ 10 أعوام.

وبحسب منظمة الصحة العالمية، أنه حتى 1 ديسمبر 2024م، أبلغ اليمن عن 249,900 حالة مشتبه في إصابتها بالكوليرا، ووقعت 861 وفاة مرتبطة بالكوليرا منذ بداية العام. ويمثل ذلك 35% من العبء العالمي للكوليرا و18% من الوفيات الـمُبلَّغ عنها عالميًا. وقد ارتفع عدد الحالات والوفيات المبلغ عنها في نوفمبر 2024م، بنسبة 37% و27% مقارنة بالشهر نفسه من عام 2023م.

ويقول الدكتور أرتورو بيسيغان، ممثل منظمة الصحة العالمية ورئيس بعثتها في اليمن، "فاشيات الأمراض المنقولة بالمياه، مثل الكوليرا والإسهال المائي الحاد، تفرض عبئًا إضافيًا على النظام الصحي الذي يعاني بالفعل من فاشيات أمراض متعددة، وتبذل منظمة الصحة العالمية والجهات الفاعلة في مجال العمل الإنساني جهودًا مضنية لتلبية الاحتياجات المتزايدة في ظل النقص الحاد في التمويل".

معتقدات مغلوطة
وما أن يُعلن في اليمن عن حملة تحصين ضد وباء، حتى تبدأ الشائعات بالتداول خصوصا في وسائل التواصل الاجتماعي حول خطورة اللقاحات وآثارها واحتوائها على مواد مميتة، فيقع الأطفال ضحية تلك المعتقدات. 

ويتوجس المواطن ناصر اليافعي من السماح لابنه بتلقي اللقاحات، بحجة أنه غير آمن، وفي الوقت نفسه قلق على طفله من الإصابة بالأوبئة المنتشرة في حال عدم تلقيحه. يقول اليافعي: "الله اعلم مدى صلاحية هذه اللقاحات، لو كنت ببلد غير اليمن كنت لقحت له، لكن توصل هنا اللقاحات قدها غير آمنه". 

فيما تفاصيل وفاة ثلاثة أطفال بوباء الحصبة، رسخت في ذاكرة المواطن عبد الله الكثيري، وجعلته أكثر حرصا على تلقيح أطفاله، سواء من خلال اللقاحات الروتينية أو الحملات الطارئة التي تنفذها الجهات المختصة بين حين وآخر.

وأظهرت نتائج استطلاع أجرته معدة التحقيق على عدد من منصات التواصل الاجتماعي بشأن التلقيح، تراجع الثقة على نحو مثير للقلق، وجاءت الإجابات ردًا على سؤال يتعلق بما إذا كانت اللقاحات آمنة:

النسبة

الإجابة

17%

أوافق

45%

إلى حد ما

38%

لا أوافق

مؤامرة دولية!
وفي حين باتت أغلب دول العالم خالية من الأوبئة المعدية، تواصل الجوائح حصد أرواح العشرات من الأطفال في مختلف مناطق اليمن، خاصة التابعة لسيطرة الحوثيين، الذين شنوا حرباً مفتوحة ضد اللقاحات الطبية للأطفال واصفين إياها بـ "المؤامرة الدولية"، ومنعت المواطنين من تلقيح أبنائهم وسط تفشي عدد من الأوبئة.

حيث نظمت سلطات الحوثيين بصنعاء، ندوة بعنوان "خطورة اللقاحات على البشرية"، بحضور وزير الصحة في حكومة الحوثيين "غير المعترف بها"، طه المتوكل، والذي قال إن اللقاحات مؤامرة يهودية تهدف إلى قتل ملايين البشر.

ويؤكد أحد الأطباء في مناطق سيطرة الحوثيين -فضّل عدم ذكر اسمه- أن الحوثيين "بدأوا بمنع فرق التطعيم للقاحات التنشيطية من النزول إلى القرى والأرياف بحجة التجسس، ثم قاموا بالترويج لخطر اللقاحات بأنها تسبب الأمراض وتؤدي إلى الوفاة وتسبب العقم مستقبلا، لنتفاجأ أن كثير من الأهالي صدقوا هذه الشائعات وامتنعوا عن أخذ أطفالهم لمراكز التطعيم للجرعات الأساسية، وغياب فرق اللقاحات التنشيطية، الأمر الذي أدّى مؤخرًا إلى عودة تفشي كثير من الأمراض والأوبئة المميتة، حيث يستقبل المستشفى عشرات الحالات خاصة الحصبة والكوليرا، وهناك ارتفاع في عدد الوفيات من الأطفال في هذه المناطق".

أطباء يحذرون
ويحذر أطباء من انعدام الثقة باللقاحات، الأمر الذي يعني تراجع اليمن خطوة في مجال مكافحة الأمراض المعدية والمميتة التي يمكن الوقاية منها، وسط عودة تلك الأوبئة وانتشارها بشكل كبير في بلد نظامه الصحي متهالك بفعل الحرب الذي تمزقه منذ سنوات، ويشهد أسوأ أزمة إنسانية.

ويوضح أخصائي طب الأطفال، الدكتور ناصر الفقيه أن: "اللقاحات أغلبها تكون في الأربعة أشهر الأولى، لأن جسم المولود خلال هذه الفترة في طور اكتمال الجهاز المناعي، وبعض اللقاحات تحفز أمور مناعية في جسم الإنسان، وبعضها تُخزن في الجسم لتكوين أجسام مضادة لأي وباء، ومن ثم لقاح في الشهر التاسع ولقاح آخر في سنة ونصف وثلاث سنوات". 

ووفقا للدكتور الفقيه، هناك لقاحات تعزيزية مهمة في حال انتشار أي وباء، وليس لها خطورة أو آثار جانبية خطيرة كما يشاع، إلا الألم مكان اللقاح وارتفاع درجة الحرارة الناتجة عن تفاعله، وهذه نتيجة إيجابية بالنسبة لنا كأطباء. يكمل: "كنا نشتكي في المناطق النائية التي لا توجد فيها كهرباء للحفاظ على صلاحية اللقاح، لكن الان توفرت الطاقة الشمسية وثلاجات معينة ودرجة تخزين مناسبة في كثير من الأماكن، فلا داعي للخوف من هذا الأمر". تلك

مأمونية اللقاح
بدوره، يؤكد مدير برنامج التحصين في محافظة عدن، فيصل صالح الصاعدي، أن نسبة الأطفال الذين أخذوا اللقاحات الطارئة 84% من إجمالي الأطفال في محافظة عدن خلال العام 2023م. وبحسب التقديرات والمؤشرات التي يعمل عليها البرنامج، تراوحت نسبة المواليد الذين أخذوا اللقاحات الأساسية ما بين 80 - 87%، من إجمالي المواليد منذ فترة ما بعد حرب 2015م.

ويوضح الصاعدي أن برنامج التحصين منذ أن نشأ في 1970م، بدأ بلقاح الجذري، ثم ببرنامج التحصين الأساسي بإدخال اللقاحات ضد الامراض الستة وهي شلل الأطفال والحصبة والحصبة الألمانية والدفتيريا والسل والكزاز والخناق، وتواصلت إنجازات البرنامج بإدخال لقاحات الكبد والتهابات الروته ولقاح الروتا ضد الاسهالات وكذلك المكورات، وآخرها كان إدخال لقاح كورونا. وهناك حملات استثنائية مثل الكوليرا، وكانت الحكومة تدعم وتساند في عمليه شراء اللقاح، لكن اليوم بحكم الأوضاع التي يعيشها البلد تكفلت المنظمات الداعمة بتوفيرها.

وردًا على شائعات عدم مأمونية اللقاح، يقول مدير برنامج التحصين: "إن برنامج التحصين يعمل على آلية وسياسة موحدة تبدأ منذ أن يتم صناعة اللقاح عبر سلسلة من الأطر الفنية، وإن برنامج التحصين يمتلك منظومة متكاملة من سلسلة تبريد وثلاجات تعمل بالطاقة الشمسية والكهرباء والغاز، وهذا يضمن توفر الكهرباء 24 ساعة".

حملات توعية
وتوضح مديرة التثقيف والإعلام الصحي في مكتب الصحة بمحافظة عدن، نهوان محمد الأغبري، أن هناك تحديات تواجه حملات التوعية باللقاح، أبرزها الشائعات والمعلومات المغلوطة حول آثاره وعدم فعاليته، ما أدّى إلى تردد بعض الأهالي في تلقيح أطفالهم، إضافة إلى ضعف الوعي بين السكان وغياب المعلومات الكافية لفوائد التحصين، وانشغالهم بضغوط الحياة اليومية، الأمر الذي قلل المقدرة على اتخاذ قرارات صحية سليمة.

ونتيجة لذلك قامت وزارة الصحة بحسب الأغبري، بتنظيم ورش عمل وندوات تعليمية لشرح أهمية اللقاح وتأثيره على الصحة، بالتعاون مع وسائل الإعلام المحلية ومنصات التواصل الاجتماعي، وإشراك الشخصيات المؤثرة لتوجيه رسائل توعوية، وتدريب متطوعين لنقل المعلومات بشكل فعال للتواصل المباشر مع الأسر، وتصميم مواد توعوية بلغة بسيطة تناسب ثقافة المجتمع، وعرض تجارب حية.

ختامًا.. في وقت تشهد فيه اليمن تفشيًا حادًا لجائحة الكوليرا، حيث بلغ عدد الإصابات المسجلة نحو 200 ألف حالة خلال العام المنصرم 2024، تتزايد المخاوف في أوساط المواطنين من مأمونية وفاعلية اللقاحات التي تقدمها وزارة الصحة في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا بدعم من المنظمات ذات الصلة، وهو ما تسبب بحرمان أعداد كبيرة من الأطفال من التحصين، فيما على الجانب الاسوأ يمنع الحوثيين في مناطق سيطرتهم أي لقاح، حيث ساهمت تلك الأسباب وغيرها في تفشي الأوبئة في البلاد، وتزايد ضحاياها خصوصا من الأطفال.