الجراح الخفية – الأضرار النفسية للأطفال في ظل الحروب العربية

الصحفية والكاتبة : سجى عبد المجيد حسين شبانة
الحروب في العالم العربي، مثل تلك التي شهدتها فلسطين وسوريا واليمن والعراق، تترك آثارًا نفسية عميقة على الأطفال، تُعرف بـ"الجراح الخفية" لأنها غير مرئية لكنها مدمرة وطويلة الأمد. هذه الأضرار تؤثر على الصحة النفسية والعاطفية والاجتماعية للأطفال، وتشمل:
الصدمات النفسية: الأطفال الذين يعيشون الحروب يواجهون مشاهد العنف والدمار، مثل القصف، فقدان الأهل، أو النزوح. هذه التجارب تؤدي إلى اضطرابات مثل( اضطراب ما بعد الصدمة )PTSD،
القلق المزمن، الاكتئاب، والخوف الدائم
من الموت أو الفقدان. على سبيل المثال، دراسات تشير إلى أن أكثر من نصف مليون طفل عراقي بحاجة إلى علاج نفسي بسبب الصدمات التي تعرضوا لها خلال الحروب.
تأخر النمو: التعرض المستمر للرعب والحرمان يؤدي إلى تأخر النمو العقلي، البدني، والعاطفي. الأطفال قد يعانون من صعوبات في التركيز، تأخر التعلم، أو قصر الانتباه بسبب الضغط النفسي.
اضطرابات سلوكية: الحروب تولد سلوكيات عدائية أو انطوائية، مثل العصبية، الكوابيس، التبول اللاإرادي، أو حتى ميول انتحارية لدى المراهقين. الأطفال قد يصبحون أكثر حساسية للأصوات العالية أو المشاهد التي تذكرهم بالحرب.
فقدان الهوية والأمل: الأطفال الذين يفقدون أسرهم أو منازلهم يعانون من أزمة هوية حادة، ويشعرون باليأس وفقدان الأمل في المستقبل، مما يؤثر على قدرتهم على بناء حياة إيجابية.
صعوبات الاندماج الاجتماعي: النزوح والخسائر تجعل الأطفال يواجهون صعوبة في بناء علاقات عاطفية أو الاندماج في المجتمع، وقد يتعرضون للتمييز أو وصمة العار بسبب ارتباطهم بالحرب.
استراتيجيات الدعم النفسي
للتخفيف من هذه الأضرار، يُوصى بما يلي:
الدعم الأسري: يجب على الأهل احتواء الأطفال، طمأنتهم، والحديث معهم بصدق بأسلوب يناسب أعمارهم. تجنب تعريضهم لمشاهد الحرب عبر التلفاز يساعد في تقليل الصدمات.
برامج التأهيل النفسي: جلسات العلاج النفسي، مثل العلاج المعرفي السلوكي، تساعد الأطفال على معالجة الصدمات من خلال التعبير عنها بالكتابة، الرسم، أو الحديث مع مختصين.
توفير بيئة آمنة: إنشاء مساحات آمنة، مثل الأنشطة الترفيهية أو التعليمية، يساعد في تشتيت تفكيرهم عن الحرب واستعادة شعورهم بالأمان.
إعادة الإدماج الاجتماعي: إعادة الأطفال إلى التعليم وتوفير فرص التدريب المهني يساعد في منع تهميشهم وتعزيز صمودهم.
التحديات في المنطقة العربية
الدول العربية تعاني من نقص حاد في الأخصائيين النفسيين (مثل 0.5 طبيب نفسي لكل 100 ألف شخص في ليبيا واليمن) مقارنة بالدول الأوروبية، مما يجعل تقديم الرعاية النفسية تحديًا كبيرًا. هذا يزيد من مخاطر خلق "جيل ضائع" يحمل آثار الصدمات مدى الحياة.
خاتمة
الأطفال هم الضحايا الأكثر تضررًا من الحروب، والجراح النفسية التي يتعرضون لها قد تستمر لعقود، مما يهدد مستقبل المجتمعات. إنهاء الحروب هو الحل الأمثل، لكن حتى ذلك الحين، يجب التركيز على برامج الدعم النفسي والاجتماعي لتقليل الأضرار وبناء جيل أكثر صمودًا.