كيف عمقت الحرب مأساة أطفال اليمن؟

بقلم: أمة الرحمن العفوري
في بلدٍ أعيته الحروب وأثقل كاهله الصراع العبثي لا يبدو أن للطفولة نصيب من الرحمة أو الحماية لا من أطراف الصراع ولا من أولئك الذين يرفعون شعارات الإنسانية من خلف مكاتبهم المكيفة في عواصم القرار الدولي ، اليمن ومنذ اندلاع الحرب في 2015، تشهد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم وأكبر ضحاياها هم الأطفال الذين خُلقوا ليحلموا لكن الواقع أرغمهم على أن يكبروا قبل أوانهم في وطنٍ يُستنزف فيه الأمل كما تُستنزف أرواحهم.
في مناطق سيطرة جماعة الحوثي لم تعد الطفولة سوى محطة عبور نحو الجبهات يتم تجنيد الأطفال قسرًا والزج بهم في أتون معارك لا يدركون أهدافها ضمن ما يسمى بـ"المراكز الصيفية" التي تحولت إلى معامل لغسل العقول وتفخيخ الوعي الصغير بخرافات الأيديولوجيا المذهبية هناك لا يتعلم الطفل أبجدية الحياة بل حروف الموت ولا يعرف عن المستقبل سوى أنه جبهة جديدة بانتظاره.
أما في المناطق التابعة للحكومة الشرعية فالمشهد يبدو أقل دموية لكنه لا يقل قسوة المدارس الحكومية تعاني من إضرابات مزمنة نتيجة غياب الرواتب وتدهور المنظومة التربوية فيما يُجبر الأطفال على التخلي عن مقاعد الدراسة لصالح أعمال هامشية من التسول إلى جمع المواد البلاستيكية، إلى البيع على الأرصفة وكل ذلك في ظل تجاهل شبه تام من الجهات المعنية محليًا ودوليًا.
وسط هذه المأساة تبرز علامات استفهام كبيرة حول الدور الحقيقي للمنظمات الدولية وخاصة تلك التي ترفع شعار حماية الطفولة أين هي منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)؟ وما الدور الذي لعبته منظمة "رعاية الطفولة" (Save the Children) التي لطالما صدحت تقاريرها بإدانة الحكومة اليمنية والتحالف العربي بينما تجاهلت – عن عمد أو تقصير – الانتهاكات الفاضحة التي ترتكبها جماعة الحوثي بحق الطفولة؟
ما يدعو للتأمل بل للمرارة أن منظمة "رعاية الطفولة" لم تكتفِ بغض البصر عن جرائم الحوثيين بل قدمت لهم خدمات إنسانية وتسهيلات لوجستية وكان نشاطها الحقوقي يسير بالتوازي مع مواقف سياسية منحازة دفعتها إليها منظمة "أوكسفام" التي تُتهم بدورها بتسييس العمل الإنساني المفارقة أن هذه المنظمة نفسها والتي ظن الحوثيون أنها شريك مرحلي يمكن استثماره تعرضت لاحقًا للغدر ذاته الذي طال كل من سبقها فقد تم اختطاف موظفيها وتعذيب بعضهم حتى الموت ثم صودرت أصولها في صنعاء بقيمة تُقدّر بأربعة ملايين دولار.
ما حدث مع "رعاية الطفولة" ليس حادثة معزولة بل هو تجسيد لسلوك ممنهج فقد سبق لجماعة الحوثي أن استخدمت هذا النهج مع كافة القوى السياسية اليمنية التي تعاملت معها ثم انقلبت عليها عندما انتفت الحاجة لها الأمر ذاته ينطبق على المؤسسات وحتى الدول التي ظنت أن بإمكانها كسب ود الجماعة عبر تقديم الدعم أو غض الطرف عن ممارساتها.
الحقيقة الجلية أن الحوثيين لا يرون في الآخرين شركاء بل أدوات مؤقتة في معركة وجودهم يُبادلونهم الولاء بالخيانة، والدعم بالإقصاء، والعطاء بالاستهداف ومن يظن أن بإمكانه النجاة من هذا المصير فهو واهم.
ختامًا فإن الحديث عن الطفولة في اليمن لا يمكن أن يكون منصفًا ما لم يترافق مع مساءلة حقيقية للمنظمات الدولية التي لم تكتفِ بالتقصير بل تحولت في بعض الأحيان إلى أدوات لتجميل وجه الجلاد إن ما يُرتكب بحق أطفال اليمن هو جريمة مزدوجة أحد أطرافها السلاح والآخر الصمت.
وما بين الاثنين… تُذبح الطفولة.
مقالات الرأي المنشورة لا تعبر بالضرورة عن توجهات وقناعات المنصة