"أطفال المفاتيح" بين الحرب العالمية والحرب اليمنية

ديسمبر 28, 2025 - 07:59
 0  33
"أطفال المفاتيح" بين الحرب العالمية والحرب اليمنية

تقرير الصحفي معاذ مدهش

شاع مصطلح أطفال المفاتيح إبان الحرب العالمية حيث كان الآباء يخوضون المعارك بعيدًا عن أوطانهم، وكانت الأمهات تعمل طوال اليوم من أجل تأمين لقمة العيش، الأمر الذي فرض على الكثير من الأولاد الاعتناء بأنفسهم في سن مبكرة، وتضمن ذلك امتلاكهم نسخة من مفتاح المنزل لكي يخرجوا منه ويعودوا إليه بمفردهم. 

يستعمل المصطلح اليوم بشكل عام لوصف الأولاد الذين يتحملون مسؤولية رعاية أنفسهم لأن والديهم من الطبقة العاملة ولا يوجدون في المنزل خلال النهار. أما عن أطفال اليمن، القابعون في الشوارع ليل نهار منذ اندلاع الحرب في اليمن، بلا منزل أو مأوى، من تقطعت بهم السبل، فلم يبقَ لهم في البلاد سوى شمس حارقة تثبت يمنيتهم نهارًا، وكراتين ممزقة تأويهم مساء.

بين تأثيرات الحرب ومخاطر العمالة

"غادة" 13 عاما، تنحدر من محافظة حجة، اضطرتها الحرب وإخوتها الأربعة إلى النزوح لمدينة عدن قبل أربع سنوات، تقف غادة كل يوم في جولة القاهرة بمدينة عدن، منذ الصباح حتى الثامنة والنصف مساء، بيد تحمل الصابون وبالأخرى تمسك ممسحة تشطف بها غبار السيارات كي يروها جيدا، لم تخبرنا بأن الضماد الذي بيدها اليسرى أحدثه سائق عصبي بعد أن مسحت سيارته دون إذنه، شقيقها عبد الله أفصح لنا عن هذا، الفارق الوحيد بين غادة وعبدالله 9 سنوات أنه يبيع المناديل، ما إن تراه تستوقفك ملامحه وتشهر بوجهك عشرات الأسئلة، من قبيل: إلى متى؟ هل من حل؟ وإن جاء ما مصيرهم مستقبلا؟ تغيب الإجابات، ويبقى عزاء أوحد أن لا أحد في البلاد أكثر حاجة للمناديل مثل بائعه عبد الله. 

مسارات قاسية

غادة وعبد الله نموذجا مصغرا للأثر الذي تركته الحرب في اليمن على الأطفال، نموذج لشريحة كبيرة من صغار السن، تجدهم في الشوارع إما ماسحي سيارات أو يبيعون مقتنيات بالكاد تبقيهم على قيد الحياة، ومنهم من اتخذ طرقا سهلة وقاسية في آن كالتسول وجمع الأواني الفارغة وبيعها في سوق إعادة تدوير البلاستيك، ورغم تباين طرق كسبهم إلا أنهم يتجتمعون في العمر، ويحملون ملامح واحدة، تشبه الحرب.

حرمان من حق التعليم

للنهوض والحد من مآلات الحرب فيما يخص الأطفال، سيحدثك عالم اجتماع وبائع متجول وإنسان عادي، كلهم على السواء سيقولون إن التعليم هو طوق النجاة، وبالنسبة لأطفال اليمن وتعليمهم ونسبتهم، يمثل الأطفال في سن الدراسة في اليمن ما يقرب من 33% من إجمالي السكان في اليمن ويعيش أكثر من ثلثي هؤلاء الأطفال في مناطق نائية يصعب الوصول إليها، مما يحد من قدرتهم على الوصول إلى المؤسسات التعليمية"

التقارير الأمميةالصادرة مؤخرا، تقول إن أكثر من 4.5 مليون طفل يمني لم يلتحقوا بالمدارس في العام 2023، بينما تضررت أكثر من 2426 مدرسة وأصبحت غيرة قادرة على استقبال الطلاب بسبب استخدامها كمأوى أو لأغراض أخرى غير تعليمية، كلما طالت فترة انقطاع الطلاب عن التعليم، زادت صعوبة تعويض خسارة التعلم، مع تجارب التأثير عبر المجتمعات.

طفولة غير آمنة

هذه صور مصغرة لأطفال لا يكبرون على مهل، الحرب تسبق أعمارهم بخطوات، وتضعهم في الشارع قبل أن يتعرفوا إلى طريق المدرسة، غادة وعبد الله وأطفال كثر ليسوا استثناء، هم مرآة لجيل كامل يتعلم النجاة بدلا من جدول الضرب، جيل يحسب أيامه بعدد السيارات المارة، بعدد الانتهاكات التي يتعرضون لها وكادت تصبح عادة في أيامهم... وسط كل هذا وبينما تتكدس الأرقام في تقارير المنظمات، يظل السؤال الأهم معلقًا في عيون هؤلاء الصغار، هل سيأتي يوم يعود فيه الطفل اليمني طفلا فقط، بلا مفتاح، بلا شارع،بلا حرب؟!