تجنيد الأطفال.. ظاهرة متفاقمة وتحديات قائمة

ظاهرة تجنيد الأطفال انتشرت بشكل كبير في اليمن

يناير 8, 2024 - 20:03
يناير 8, 2024 - 20:06
 0  58
تجنيد الأطفال.. ظاهرة متفاقمة وتحديات قائمة
ظاهرة تجنيد الأطفال انتشرت بشكل كبير في اليمن


منصة أطفال اليمن: تقرير خاص- نواف الحميري

معاناة قاسية يعيشها الطفل محمد سعيد (12 عامًا)، بعد تعرّضه لإصابة خطيرة أفقدته القدرة على الحركة.
كان محمد، وهو من أبناء محافظة إب، قد التحق عام 2020 بدورة صيفية أقيمت في مدرسته. وخلالها تم إعداده ليصبح مقاتلاً في الصفوف الأمامية ضمن مقاتلي جماعة الحوثي، وفق ما قاله أحد أقارب محمّد لمنصّة "أطفال اليمن" وفضل عدم كشف هويّته.
وفي إحدى المعارك، أُصيب محمد، في عموده الفقري برصاصة. ووفق المصدر فإن "الطلقة لامست الحبل الشوكي لمحمد؛ ما أدى إلى إصابته بشلل في نصفه السفلي".
وهكذا حُرم محمد، من طفولته مبكراً، فقد جعلته الإصابة لا يقوى على الحركة دون كرسي متحرّك، ليعيش بقيّة حياته مثقلاً بإعاقة دائمة.

حرب على الطفولة
محمد، واحد من آلاف الأطفال ضحايا عمليات التجنيد والاستقطاب من المدارس والشوارع والمنازل. وبينما هو مُعقد، يواصل زبانية الحرب استدراج أقرانه إلى جبهات القتال طوعًا أو كرهًا.
خلال 9 سنوات من الحرب، كان الأطفال وقوداً للمعارك المستمرّة، وعرضة لأنواع العنف والاستغلال. والحلقة الأضعف والأكثر تعررضاً للقتل أو الإصابة أو الإعاقات الجسدية، إلى جانب أضرار أخرى صحية ونفسية واجتماعية بليغة، وفق ما أكّدته تقارير حقوقية وشهادات ناجين من التجنيد.
وتعد اليمن واحدة من ثمان دول أدرجت قواتها الأمنية الوطنية من قبل الأمين العام للأمم المتحدة على قائمة الدول التي تجند وتستخدم الأطفال.
قالت منظمة ميون لحقوق الإنسان، إنها وثّقت بين يوليو ٢٠٢١ وديسمبر ٢٠٢٢ تجنيد ٢٢٣٣ طفلاً تم اشراكهم مباشرة في النزاع المسلح. موضحة أن الحوثيين مسؤولين عن 98.9% من عمليات تجنيد الأطفال واستخدامهم في القتال، بينما الحكومة والمكونات الموالية لها مسؤولة عن تجنيد 24 طفلاً، بنسبة 1.1%.

مخاطر مجتمعية وتهديد للمستقبل
يقول رئيس منظمة مكافحة الاتجار بالبشر نبيل فاضل، لمنصة "أطفال اليمن" إن تجنيد الأطفال كارثة للأجيال القادمة؛ فأطفال اليوم هم شباب المستقبل، وعند تجنيدهم، وتعبئتهم بفكر الحرب والقتال، سينشأ جيل ملغوم فكرياً، وسيكون هناك تبعات وخيمه ومؤثرة على حاضر ومستقبل اليمن. 
فيما يقول أستاذ علم الإجتماع في جامعة تعز الدكتور محمود البكاري، إن "تجنيد الأطفال من الظواهر الاجتماعية التي تؤثر سلباً على حاضر ومستقبل الطفولة وعلى المجتمع برمته؛ كونها تتعارض مع طبيعة المرحلة العمرية للطفل، والتأثير النفسي الذي يتعرض له في هذه المرحلة العمرية. 
كما تؤدي إلى حرمانه من فرصة مواصلة التعليم وتجعله يميل للعدائية بشكل كبير، ويجعله عرضه للمشاكل النفسية والاجتماعية حاضر ومستقبلاً.
وتحدث البكاري لمنصة "أطفال اليمن" عن وجود "مشاكل اجتماعية يترتب عليها انتشار مثل هذه الظاهرة تتمثل في حرمان المجتمع من الإمكانات البشرية التي تتمثل بتأهيل الجيل والنشء تأهيلاً علمياً يعود بالنفع على الفرد والمجتمع".
من جانبه، اعتبر المختص الاجتماعي وديع المخلافي، تجنيد الأطفال "خطرًا كبيرًا يهدد الطفولة والمجتمع اليمني بشكل عام". موضحاً لمنصة "أطفال اليمن" أن هذه المخاطر "متعدية إلى المصالح الدولية؛ فهؤلاء الأطفال الذين يتم غسل أدمغتهم لم ينالوا حظًا من التعليم وإنما حظوظًا من الطائفية والكراهية والعدوانية والإرهاب وحمل السلاح باحترافية، وهذا سيكون له خطورة كبيرة في حاضر ومستقبل اليمن". 
الباحث في علم الاجتماع الدكتور طلال قاسم، أكد هو الآخر أن "استخدام الأطفال دون سن 18سنه في النزاعات المسلحة أو تجنيدهم يهدد مستقبل البلد؛ كونه ينجم عنه العديد من المشاكل الاجتماعية والنفسية وما إلى ذلك؛ وأبرزها حرمانهم من حقوقهم في الحياة وأن ينعموا بطفولتهم. بالإضافة إلى أنهم قد يتعرضون إلى عاهة مستديمة.
ويضيف قاسم، لمنصة "أطفال اليمن" أن الطفل عندما يتعرض لصدمات نفسية ويشاهد أمامه العنف يتأثر سلوكه، وبالتالي فإن هذه الظاهرة ستودي إلى إعاقة النمو البدني والنفسي والذهني السليم مما يؤدي إلى نشأة أطفال متطرفين أيدلوجياً سيشكلون خطراً على مستقبل البلاد".

القانون وتجنيد الأطفال
تعد اليمن من أوائل الدول التي صادقت على كافة الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية التي تحظر تجنيد الأطفال واستخدامهم في الصراع، وأصدرت دستورها وقوانينها وفقًا لهذا. 
تنص المادة (149) من قانون حقوق الطفل اليمني لسنة 2002م على منع "إشراك الأطفال إشراكاً مباشراً في الحرب، وعدم تجنيد أي شخص لم يتجاوز سنه الثامنة عشرة".
يقول القاضي سليمان الصلوي، مدير نادي القضاء سابقاً، لمنصة "أطفال اليمن" إنه رغم كل هذه القوانين إلا أن ظاهرة تجنيد الاطفال انتشرت بشكل كبير في اليمن، دون وجود رادع للأطراف التي تقوم بتجنيدهم.
ويعود السبب، وفق رأي الصلوي، إلى أن "وجود قصور نوعاً ما في إجراء عقوبات على من يقوم بتجنيد الأطفال أثناء النزاعات واستغلالهم في الأعمال المسلحة". 
مشدداً على ضرورة "الالتزام بالاتفاقيات والخطط التي وقعتها الحكومة اليمنية والحوثيين مع الأمم المتحدة لإنهاء تجنيد الأطفال واستخدامهم في القتال". 
ومن جانبه، طالب رئيس منظمة سياج لحقوق الطفل أحمد القرشي، "الجماعات المسلحة بالالتزام باتفاقات الأمم المتحدة والامتناع عن إشراك الأطفال في عمليات التجنيد المسلح". مطالباً "بآليات وطنية ودولية لملاحقة مرتكبي هذه الانتهاكات وعدم السماح لهم بالإفلات من العقاب تحت أي مبرر".
وحذّر القرشي، في تصريح خاص لمنصة "أطفال اليمن" من إسقاط حقوق الأطفال إذا توصلت الاتفاقات السياسية والمصالح السياسية إلى إسقاطها". 
وقال إن "هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم ولا بالتنازل". مضيفاً أن هذا الأمر ليس "خاضعًا لرغبة طرفي النزاع في تنازلها من عدمه، ويفترض أن يكون تحت طائلة المسائلة والعقاب من قبل الأمم المتحدة".

تحديات قائمة
وحول التحديات التي تواجه الحد من هذه الظاهرة، يذكر الحقوقي نبيل فاضل، أمرين، أولها: "جهل الأسر بخطورة الأمر". إضافة إلى "عدم استجابة الأطراف لما يتم طرحه عليهم؛ ويعود ذلك إلى عدم وجود سلطة تمتلك القرار".
وبرأي فاضل، فإن الجهود التي بذلت لمواجهة ظاهرة تجنيد الأطفال ومنها الاتفاقية التي وقعت في العام ٢٠١٤ بين البرلمان اليمني والأمم المتحدة "أجهضت بسبب اندلاع الحرب وسيطرة الحوثيين على مفاصل الدولة".
وغير بعيد، يرى البكاري، أن "الجهل ومعاناة الأسر من الفقر والنزوح والبطالة وانهيار المنظومة التعليمة، إلى جانب نزوع غالبية المجتمع إلى العنف والصراع بسبب ما يتعرضون له من حملات إعلامية وزوامل تحريضية وحتى الخطاب الديني وغيرها الكثير التي تحثهم على القتال والصراع أكثر من السلام". 

حلول مقترحة
وللتغلب على هذه الظاهرة، يشدد القرشي، على ضرورة "تعزيز قدرات رصد ومراقبة تجنيد الأطفال، من خلال تتبع مسارات التجنيد، والتغيرات التي تطرأ عليها من ناحية المنهج المستخدم، وكيفية توظيف تجنيد الأطفال لدى السياقات المتعددة. إلى جانب تكليف فرق للرصد والإبلاغ، وتحسين طرق تصنيف البيانات والتحليلات المرتبطة بتجنيد الأطفال؛ لإعداد استجابات وإجراءات وقائية أفضل للحد من تجنيد الأطفال. 
ويضيف: نحن في منظمة سياج، نبذل جهودًا بقدر المستطاع، ونأمل أن يكون لنا دور محوري كما فعلنا من قبل وبادرنا بشكل غير مسبوق منذ عام 2009، وكان قرار الأمم المتحدة بتصنيف اليمن ضمن الدول التي تجند الأطفال استنادًا إلى تقارير سياج. مضيفاً أن منظمته تعمل "بجهد لنكون مؤسسة وطنية تسهم بشكل كبير فيما يخص حل تلك الأزمة والحد من آثارها السلبية، ونسعى للتواصل مع طرفي الصراع للحد من تلك الظاهرة".
والحل الجذري برأي القرشي، هو "توقف الحرب التي ساهمت بانتشار ثقافة العنف والاقتتال في المجتمع، إضافة إلى وجود دولة تقوم بواجباتها، وتعمل على إيجاد آليات لتحقق التنمية المستدامة والتعافي الذاتي وتحسين سبل المعيشة".  
مشدداً، في الوقت ذاته، على ضرورة "استهداف الأسر والمجتمع بحملات توعوية، وتعريفهم بخطورة هذه الظاهرة، إلى جانب رصد واستهداف الأسر التي تعرض أطفالها للتجنيد، وإقامة مراكز خاصة لإعادة تأهيلهم وإعادة دمجهم في المجتمع دون تمييز".