المدارس في اليمن.. مصائد لتجنيد الأطفال

المدارس في اليمن.. مصائد لتجنيد الأطفال

فبراير 12, 2024 - 17:07
فبراير 12, 2024 - 17:10
 0  38
المدارس في اليمن.. مصائد لتجنيد الأطفال
أطفال مدارس في اليمن ( Sanaa Safia Mahdi/DW)

منصّة أطفال اليمن: تقرير خاص

على طريقة صيد الأسماك، تنشر جماعة الحوثي مشرفيها في المدارس الواقعة بالمناطق الخاضعة لسيطرتها ليقوموا باصطياد أطفال المدارس واقتيادهم إلى معسكرات التدريب والتلقين ومن ثم الزج بهم في جبهات القتال.
الطفل ش.ن.ع.ب (16 عامًا)، طالب في الصف التاسع أساسي بمدرسة الميثاق- محافظة الحديدة، كان واحدا من 16 طالباً طفلاً أجبروا على الذهاب إلى جبهات القتال من قبل المشرف الحوثي المدعو "ابو حمزة".
وقد وثّقت نقابة المعلمين اليمنيين، قصة هذا الطفل في تقريرها "الجريمة المغيبة" الذي يرصد آثار الحرب على قطاع التعليم في اليمن، والصادر في مايو 2022.
وفيما يلي قصة هذا الطفل وفق ما نقلتها النقابة على لسانه: في آخر يوم من امتحانات الصف التاسع للعام الدراسي 2017- 2018م، جاء إلى المدرسة (الميثاق) مشرف حوثي اسمة "ابو حمزة" ومعه مجموعة من المسلحين، وأجبرونا على إقامة وقفة احتجاجية في المدرسة.
وبعد الانتهاء من الفعالية، قام "أبو حمزة" والمسلحين التابعين له باقتيادي أنا و15 طفلًا من المدرسة إلى معسكر تدريبي يتبع جماعة الحوثي في منطقة سردود. دربونا هناك لمدة أسبوع وبعدها أمرونا بالذهاب إلى أهلنا وتوديعهم، ومن ثم سيرسلوننا إلى الجبهة, لكني هربت إلى صنعاء خوفاً من إجباري على الذهاب معهم للجبهة. ولما علموا بأني هربت قاموا باختطاف أبي كي يقوم بالضغط علي للذهاب معهم للجبهة لكني رفضت".
ولم تورد نقابة المعلمين ما الذي حصل بعدها للطفل ش.ن.ع.ب أو ما الذي جرى لوالده بعد اختطافه.

أساليب متعددة
وحتى ديسمبر 2021، قالت نقابة المعلمين إنها وثّقت ضلوع الحوثيين بتجنيد 17350 طالباً دون سن الثامنة عشر، معظمهم ينحدرون من أسر فقيرة ومعدمة، وقد تم استغلال الوضع المعيشي الذي يعيشونه هم وأسرهم وحاجتهم للمال كوسيلة لإغرائهم واقتيادهم إلى "محارق الموت" في جبهات القتال المختلفة والتي لا قبل لهم بها.
وخلال الفترة 2015- 2022، قال تحالف رصد الحقوقي، في تقريره "أطفال لا جنود" إنه وثق 248 واقعة تجنيد واستغلال أطفال في 10 محافظات يمنية هي: صنعاء، الحديدة، عمران، مارب، صعدة، ذمار، إب، عدن، حجة، المحويت.
وخلص إلى أن جماعة الحوثي كانت الأبرز في عمليات تجنيد الأطفال، حيث جنّدت 231 طفلاً، فيما جنّدت أطراف الصراع الأخرى الأطفال بمستويات محدودة، فالحكومة اليمنية جنّدت 9 و8 جندتهم تشكيلات شبه عسكرية لا تخضع لسلطة الحكومة الشرعية.
وحول أساليب التجنيد، بيّن التحالف الحقوقي أن  238 طفلاً جُندوا بوسائل ترغيبيه، و10 أطفال تم تجنيدهم بوسائل ترهيبية؛ كالاختطاف وفرض تهديدات على أولياء أمورهم لتجنيدهم. 
مبيّناً أن أطراف الصراع استخدمت وسائل عديدة للتأثير عليهم كالتالي: استقطاب 43 طفلًا بتسليمهم راتب، و26 جرى تجنيدهم بعد انخراطهم في دورات ثقافية، و41 نُقلوا إلى معسكرات، و8 استقطبوا دون معرفتهم ما يُراد منهم، و6 تم إغرائهم باستلام أسلحة، و3 دفعتهم عائلاتهم للتجنيد، و7 جُندوا في النقاط الأمنية، و98 لا تُعرف دوافع تجنيدهم لكن يُعتقد أن الكثير منهم أثّرت فيهم عوامل اقتصادية أو الإعلام والمناهج التعليمية.
وأوضح أن عمليات التجنيد زادت بوتيرة كبيرة في 2022، وهو العام الذي وقعت به جماعة الحوثي على خطة إنهاء تجنيد الأطفال مع الأمم المتحدة. وفيه أُطلقت الحملة الدولية لإنهاء تجنيد الأطفال من قبل الحكومة اليمنية ومكتب الأمم المتحدة في اليمن.

دور بارز للمشرفين
وفق تحالف رصد، فإن "المشرفين" أو "المحشّدين" لعبوا في المجتمعات المحلية دوراً بارزاً في استغلال الأطفال، ويعتبروا اليد الأولى للأطراف المسؤولة عن التجنيد.
وقال إنه حصل على 143 اسماً من هؤلاء المشرفين المحليين، من بينهم 140 مشرف تابعين لجماعة الحوثي؛ سواءً كانوا مشرفي مديريات أو قرى وتجمعات سكانية صغيره أو متعاونين. ويعتبر "المشرف" بمثابة سلطة الضبط لجماعة الحوثي في منطقته.
وحدد التحالف الحقوقي 13 مركزًا لتحشيد واستقبال الأطفال المجندين في محافظتي ذمار وصعدة لوحدها. وقال إن هذه المراكز تعد "النقطة الأولى لتدريب الأطفال على السلاح والثقافة القتالية قبل إرسالهم إلى الجهات العسكرية أو الأمنية لاستلام مهامهم".
وفي السياق ذاته، وثق المرصد الأورومتوسطي ومنظمة سام في تقريرهما "عسكرة الطفولة" الصادر في فبراير 2021م، 11 معسكراً تابعاً لجماعة الحوثي مخصصاً لتدريب الأطفال المُراد تجنيدهم.
وأوضح التقرير أن 4 من هذه المعسكرات تقع بمحافظة الحديدة، فيما تتوزع البقية في المحافظات الأخرى كصنعاء وإب وذمار وصعدة وعمران. وفيها يتلقى الأطفال تدريبات اللياقة البدنية، واستخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، ونزع الألغام، ورمي القنابل وقذائف الهاون.

مهام وتداعيات خطرة
وذكر تقرير "عسكرة الطفولة" 6 مهام يقوم بها الأطفال المجندون لدى جماعة الحوثي وهي: القتال المباشر أو حراسة نقاط التفتيش أو جمع المعلومات أو قيادة السيارات أو تولي نقاط الامداد أو كمرافقين لمشرفي قيادات الجماعة.
وأورد 5 آثار للتجنيد على الأطفال وهي: الإصابة بحالة اضطراب نفسي، والتفكير في الانتحار، والانطواء والعدوانية، والتبول اللاإرادي، والكوابيس في المنام.

طفولة مفقودة 
نقابة المعلمين اليمنيين، اعتبرت السبع السنوات التي سبقت صدور تقريرها بأنها "كانت بمثابة 50 عاماً بالنسبة للأطفال؛ بسبب هول ما لاقوه من انتهاكات وعذابات فاقت كل التوقعات وتجاوزت حدود العقل والمنطق".
وقالت: واجه جيل كامل من أطفال اليمن، عموماً، خطر الموت، والنقص الحاد في الغذاء والماء والخدمات الطبية، وغادر معظمة مقاعد الدراسة طوعياً بحثاً عن عمل أو مكرهاً للالتحاق بجبهات القتال. 
وأضافت: بين أزيز الطائرات ومشاهد القتل المتكررة بشكل شبه يومي، وأمام فوهات البنادق، التي لم تستثن أحد، ثمة طفولة يمنية مفقودة لا تعرف للفرح مناسبة ولا للهو واللعب سبيلاً. أمضت وقتها في خوف وهلع تنتقل بين المدن والقرى بحثاً عن مكان يعصمها من الموت وتستعيد فيه ولو بعض مما سلبته إياها الحرب".

إخفاق حكومي وأممي
انتقد تحالف رصد الحقوقي دور الحكومة اليمنية، وقال إنها أخفقت "بشكل كبير في وضع برامج فعالة لحماية الأطفال، ولم تمارس مهامها في إعادة تشغيل الهيئات الوطنية المتخصصة بحماية الطفولة.
كما "قصّرت حتى الآن في إيجاد آلية فعالة على مستوى العاصمة والمحافظات لاستقبال الشكاوى الخاصة باستغلال وتجنيد الأطفال والتدخل العاجل من أجل إنقاذهم".
ولفت إلى غياب آليات المسائلة الدولية، وقال إن هذا ساهم "بشكل كبير في زيادة عمليات التجنيد؛ إذ خلص التقرير إلى أن تدخلات المنظمات الأممية سيما المعنية بالطفولة لم ترق إلى المستوى المطلوب"
ومن جانبها، أوصت نقابة المعلمين اليمنيين، جماعة الحوثي بـ"التوقف عن تجنيد الأطفال من هم دون سن 18 عامًا، وتسريح المجندين منهم بعد إخضاعهم لدورات تأهيلية ودعم نفسي بما يكفل إعادتهم للتعليم بشكل طبيعي".
وذكّرت النقابة، بقانون حماية الطفل اليمني رقم 45 لسنة 2002م الذي يشدد على ضرورة عدم إشراك الأطفال إشراكاً مباشراً في الحرب، وعدم تجنيد أي شخص لم يتجاوز سنه الثامنة عشر.