تجنيد الأطفال.. تدمير للطفولة وتهديد لمستقبل اليمن
لا تقتصر آثار تجنيد الأطفال في اليمن على الأطفال أنفسهم، بل تنذر بكارثة مجتمعية على مستوى واسع.
تقرير خاص أعدّه لـ"منصة أطفال اليمن"- خالد سعيد الحاتمي
بعد أكثر من ثلاثة أعوام، منذ تسريحه من أماكن القتال، وعودته إلى منزله، ما زال "حذيفة" 17عامًا يعاني ضغوطًا نفسيّة كثيرة. كوابيس تلاحق طفولته أينما حلّ رغم كونه أصبح بعيداً عن أجواء الحرب وجبهات القتال.
يخشى محمد عبدالإله- والد حذيفة- على ولده كثيرًا؛ لما أصابه من آثارٍ نفسية جراء الحرب، فقد بات يعاني من نزعة عدوانية، أثرت عليه بين أسرته وبيئته المحيطة، وما زال يتعامل بسلوكٍ غير معهود كما كان سابقًا,
هكذا بدأ والد حذيفة، حديثه لـ"منصة أطفال اليمن" عن الأضرار التي لحقت بطفله نتيجة تجنيده والتحاقه بجبهات القتال دون إرادته. معزيًّا الحال الذي وصلت إليه البلاد نتيجة استمرار الحرب، وتزايد الانتهاكات ضدّ الأطفال.
وضع مأساوي
يصف والد حذيفة، وضع ولده بالمأساوي وغير المستقر، منذّ أن ساءت حالته النفسيّة، نتيجة لما تعرّض له من مخاطر في جبهات القتال التي التحق بها، وبعد أن تمّ الاستغناء عنه من تجار الحروب- كما أسماهم- دون حتّى تضمين اسمه ضمن كشوفات المرتبات والمستحقات المالية التي كان يتقاضاها إزّاء عمله بين المجندين.
وعن كيفية تجنيده، يقول إن ولده (حمزة) "تعرّض للاستغلال الفكري بعد التحاقه بأحد المراكز الصيفيّة التي تنظمها جماعة الحوثيين، نتيجة الدروس والأنشطة المكثّفة التي تلقاها بذلك المراكز، حيث ولدت لديه رغبة طغت على كل إرادتنا (أبويه) للالتحاق بصفوف المجندين. وعلى إثرها ذهب إلى معسكرات التدريب والقتال في الجبهات دون علمنا".
انتهاك جسيم
حالة الطفل "حذيفة" ليست الوحيدة، التي أفرزتها الحرب المستمرة في اليمن منذ تسع سنوات، مُحدثة صورًا كثيرة من انتهاكات حقوق الإنسان، لا سيما ظاهرة تجنيد الأطفال، التي برزت معالمها منذّ الوهلة الأولى من اشتعال الحرب، بحسب تقارير حقوقية وثّقت العديد من الحالات لدى مختلف أطراف الصراع في اليمن.
يعد تجنيد الأطفال أو قتلهم وتشويههم من الانتهاكات الجسيمة الستة، التي شدّد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في القانون الدولي الإنساني، على عدم ممارستها أثناء النزاعات، ويحظر ارتكابها، لما تسببه من آثار سلبية مباشرة على الأطفال والبيئة الاجتماعية.
وتنص الفقرة الأولى من المادة الرابعة من البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة، الصادرة عام 2000م "أنه لا يجوز أن تقوم المجموعات المسلحة المميزة عن القوات المسلحة لأي دولة في أي ظرف من الظروف بتجنيد أو استخدام الأشخاص دون سن الثامنة عشرة في الأعمال الحربية".
كما تنص الفقرة الثانية من المادة نفسها على أن "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الممكنة عمليًا لمنع هذا التجنيد والاستخدام، بما في ذلك اعتماد التدابير القانونية اللازمة لحظر وتجريم هذه الممارسات".
انتهاكات تلحق بالأطفال المجندين
وفق دراسة ميدانية عن تجنيد الأطفال واستخدامهم في النزاع المسلح باليمن، صدرت في العام 2020، أعدتها منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، تحت عنوان "توابيت ملونة"، فإنّ أبرز الانتهاكات التي قد يتعرض لها الأطفال المجندون، القتل، والتعرض لظروف تجنيد قاسية، والإصابة البالغة، وكذلك سوء المعاملة، والاغتصاب والعنف الجنسي، والاختطاف. مذكرةً-المنظمة- بأنّ التجنيد بحدّ ذاته هو انتهاك جسيم للطفولة.
الدراسة أشارت إلى طبيعة المهام التي يقوم بها الطفل المجند ومستوى خطورتها، والتي تتمثل بـ"مهام قتالية، وحراسة مواقع ومنشآت عسكرية، وكذا التفتيش في الحواجز والنقاط العسكرية، وإمدادات لوجستية، تأمين منشآت مدنية، وكذلك مرافقات شخصية، وخدمات، واستخدامهم للتحشيد والتجنيد ومداهمات أمنية.
منظمة سام للحقوق والحريات، كانت قد دقت ناقوس الخطر بعد تنامي ظاهرة تجنيد الأطفال، ففي منتصف عام 2023 تقدمت ببلاغٍ إلى مفوّضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، بشأن سياسة أطراف النزاع في تجنيد الأطفال في اليمن، وخاصة جماعة الحوثي، والتي تنطوي على انتهاكات خطيرة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
ووفق المنظمة فإن أطراف الصراع تستغل الواقع الاقتصادي المتردي وحالة الفقر المدقع وغياب التنمية لمواصلة تجنيد الأطفال؛ مما يفضي إلى انتهاك حقهم في التعليم، وفي التمتع بأعلى مستوى من الصحة البدنية والعقلية، والاختفاء القسري لكثيرين من الأطفال الذين تم تجنيدهم، مما يستدعي التدخل لتعزيز الحقيقة والعدالة والجبر وضمانات عدم التكرار".
وقالت سام إنها رصدت تجنيد 11310 طفلًا في 19 محافظة منذ عام 2014، بينهم 6269 طفلًا أعمارهم بين 8-11 عامًا، و580 طفلًا أعمارهم بين 12-14 عاما، و4461 طفلًا أعمارهم بين 15-17 عاما.
آثار كارثية لتجنيد الأطفال
لا تقتصر آثار تجنيد الأطفال على الأطفال أنفسهم، بل تنذر بكارثة مجتمعية على مستوى واسع، لما ينجم عن التجنيد من تغيرات فكرية وسلوكية تؤثر على نظرة الأطفال للمستقبل، وتعاملهم مع الأسرة والمجتمع المحلي، توسيع نطاق حمل السلاح في المجتمع، وكذلك التسرب من التعليم، وفق ما أشارت منظمات حقوقية.
وحول هذا يقول الصحفي صدام الحريبي: بلا شك ستتغيّر نفسيات الأطفال المجندين، وسيميلون إلى العنف وربما الإرهاب، ويعودون إلى بيئة العنف والحرب". مضيفاً أن "تجنيد الأطفال يعدّ ظاهرة كارثية على المجتمع في ظل استمرار الحرب في اليمن".
ويشير الحريبي، في حديثه لـ"منصة أطفال اليمن" إلى "الآثار السلوكية طويلة الأمد، المترتبة على ظاهرة تجنيد الأطفال".. مشيراً إلى أنّ "هؤلاء الأطفال المجندين قنابل موقوتة يدمرون مجتمعاتهم في المستقبل ويصبحون هم القادة الجدد للممارسات الإرهابية وسفك الدماء". واصفًا هذا الأمر بأنه "خطير جدًا على البلاد".
معاناة مستمرة
يعاود والد الطفل "حذيفة" حديثه، وهو يعاني الألم والحسرة عن الحال الذي وصل إليه ولده، قائلاً إن وضعه أصبح يشكّل تهديدًا مباشرًا للأسرة والمجتمع الذي يعيش فيه نتيجة حالته النفسيّة. مشيراً إلى أن هذه المعاناة ستظل قائمة ما استمرت الحرب في اليمن.
وعن موقف الأسرة يقول إن "تجنيد أطفالنا ليس خيًارًا بل واقعٌ فُرض علينا". معبّرًا عن صيحةِ أبٍ مكلومٍ يتجرع ويلات الحرب وتبعات تجنيد الأطفال، وهو واحد من آلاف الآباء المغلوبين على أمرهم، ممن استسلموا للواقع المرير، منتظرين عودة أطفالهم من الجبهات، في عداد الموتى أو المرضى النفسيين، كما حدث لـ "حذيفة".