التعليم في سقطرى.. رحلة محفوفة بالمتاعب وإهمال الدولة

منصة أطفال اليمن - نورا الظفيري
في قلب جزيرة سقطرى، حيث تلتقي الطبيعة الخلابة مع قسوة الظروف، يعيش أحمد سعد مسلم، طفل في الحادية عشرة من عمره، في كل صباح، يبدأ أحمد رحلة شاقة من قريته الصغيرة "ضيضعة دسمحو"، إلى مدرسته "عمر بن الخطاب" المدرسة التي تعتمد عليها ٢٨ قرية في التعليم، والتي تبعد ساعة ونصف سيرًا على الأقدام عن منزل أحمد.
أحمد لا يشبه أقرانه الذين يصلون إلى مدارسهم بسهولة، يقول بصوته الصغير المثقل بالتعب: "كنت أنام وأنا أفكر بالمسافة الطويلة التي سأمشيها، حيثُ أصل إلى المدرسة وأنا مرهق، الشمس تحرقني أحيانًا، وأحيانًا أخرى تعصف بي الرياح القوية."
في الصباح، ليس هناك فطور يملأ معدته الصغيرة بالطاقة كوب شاي وبعض الخبز، هذا كل ما يجده أحمد قبل أن يبدأ رحلته الطويلة سيراً على الأقدام، وحين يصل إلى المدرسة لا توجد مقصف ولا بقالة يقول: "في وقت الاستراحة، نشرب الماء فقط، الجوع كان يرافقنا طوال اليوم، حتى أننا لم نستطع التركيز في شرح المعلمين، لأننا كنا نفكر في الجوع والطريق الطويلة للعودة".
هذا العام، تكفل فاعل خير بتوفير سيارة لنقل أحمد مع مجموعة من زملائه إلى المدرسة لأول مرة، يشعر أحمد بالراحة أثناء الذهاب والعودة، لكنه يخشى من الغد متسائلًا: "ماذا لو لم تتوفر السيارة في العام القادم؟ هل سنعود للمشي في الشمس والتعب؟"
مدراس بلا ملامح
يقول أحمد الفصول الدراسية للصفوف الصغيرة هي مجرد خيام أو عشش، بينما المبنى الجديد مخصص فقط للفصول المتقدمة، فمدرسة عمر بن الخطاب يعاني من نقص شديد في التجهيزات، فلا توجد فيه نوافذ أو أبواب أو ساحات مناسبة، كما يفتقر إلى الكراسي والأثاث التعليمي الضروري، أما الكتب الدراسية فهي قليلة للغاية، حيث يشترك أحمد وخمسة طلاب من زملائه في كتاب واحد.
مدرسة أحمد هي انعكاس حي لمعاناة التعليم في سقطرى، حيثُ أن معظم المدارس بالجزيرة تعاني من انعدام مقومات التعليم الأساسية، وفي حديثة لمنصة "أطفال اليمن" يقول مدير إدارة التوجيه التربوي بمكتب أرخبيل سقطرى أحمد إبراهيم خالد أن الكثير من المدارس في سقطرى بحاجة إلى إعادة تأهيلها، حيثُ تعاني المدارس من نقص حاد في الأثاث حيثُ لا يوجد مختبرات ووسائل تعليمية ومساحات في المدارس للأنشطة، وكراسي لتغطي جميع المدارس رغم المطالب المتكررة للوزارة بسد العجز إلا أن الاستجابة لذلك منعدمة تماما.
ويضيف أن الكتب المدرسية لأكثر من خمس سنوات لا يوجد سوى عدد قليل من النسخ لبعض المواد وبعضها غير موجود على الاطلاق، حيثُ يتم توزيع نسخة فقط لمعلم المادة وبدوره يقوم على تلخيص الدروس للطلاب.
وقد بلغ عدد مدارس التعليم الأساسي في أرخبيل سقطرى 64 مدرسة، وعدد مدارس التعليم الثانوي 6 مدارس موزعة على مدن وإرياف الجزيرة، وعدد التلاميذ في التعليم الأساسي نحو 19 ألف تشكل الإناث النسبة الأعلى من عدد الطلاب والطالبات، أما في المرحلة الثانوية يبلغ عدد الطلاب نحو ٣ ألف.
كما يشير أحمد خالد إلى أن عدد المدارس الخاصة أربع مدارس وغالبيتها غير مستوفية للشروط من حيث ملائمة المبنى المدرسي، حيثُ تجاوز المكتب عن ذلك حتى يمكن استيعاب الطلاب في الدراسة إذ أن انضمام هؤلاء التلاميذ إلى المدارس العامة يشكل لها ضغط كبير لعدم كفاية الفصول الدراسية في المبنى المدرسي.
ويؤكد على أن المكتب بحاجة إلى إضافة أكثر من ثلاثين فصل دراسي موزعة بين المدارس وبناء أكثر من عشرون مدرسة خاصة في عواصم المديريات التي تشهد ضغط كبير، حيثُ وصل معدل الطلاب داخل الفصل الدراسي ما بين (٦٠ و٦٥) طالب مما يصعب قيام المعلمين بدورهم في إدارة الصف وتنفيذ الحصة الدراسية وفق المعايير الفنية المطلوبة.
كوادر تعليمية غير مؤهلة
أوضح أحمد خالد واقع التعليم في سقطرى، حيثُ شهد قطاع التعليم في جزيرة سقطرى حالة من الإهمال المتراكم على مدى عقود من قبل السلطات المركزية المتعاقبة، مما أدى إلى تدهور العملية التعليمية بشكل لافت، وعلى الرغم من تحقيق تقدم نسبي في الثمانينات من القرن المنصرم، والذي أثمر عن مخرجات تعليمية ساهمت إلى حد ما في تحسين الوضع التعليمي، إلا أن هذا الزخم لم يستمر طويلًا، فمع نهاية تلك الفترة عاد التعليم إلى حالة من الجمود والتراجع، وأصبح من الممكن وصف الوضع التعليمي في سقطرى اليوم بأنه من بين الأسوأ على مستوى البلاد، في الوقت الذي شهدت فيه مناطق أخرى من اليمن تطورًا ملحوظًا، بقيت سقطرى خارج هذا التطور، متأثرة بغياب الدعم والاهتمام.
ويشير أحمد خالد أن سقطرى تعاني من ضعف في الكوادر التعليمية، حيث إن غالبية المعلمين خريجو الثانوية العامة، ولا يمتلكون أي تأهيل تربوي بالإضافة إلى ذلك، لم يتم تقديم دورات تدريبية أثناء الخدمة لتحسين مستواهم أو تطوير أساليبهم التدريسية، حيثُ كان لبعد الجزيرة عن اليابسة أثر كبير على عدم قدرة المعلمين على استكمال تعليمهم الجامعي أو الحصول على تدريب مناسب، نظرًا للتكاليف المرتفعة التي يصعب على كثيرين تحملها.
ويتابع أنه رغم النداءات المتكررة من المؤسسات التعليمية في سقطرى، لم تتخذ السلطات المركزية خطوات جادة لتحسين الوضع، من تُنفذ برامج تدريبية للمعلمين أو تجهيز المدارس بالمتطلبات الأساسية، بل إن جامعة حضرموت، التي فتحت فرعًا لكلية التربية في سقطرى، أبقت على تخصصين فقط (اللغة العربية والتربية الإسلامية) لأكثر من عشرين عامًا، دون الاستجابة لمطالب فتح تخصصات جديدة تلبي احتياجات التعليم وسوق العمل المحلي، وقد أسفر هذا الإهمال عن مخرجات تعليمية محدودة غير قادرة على سد احتياجات المؤسسات التعليمية في الجزيرة.
وفي نفس السياق يقول رئيس منظمة الشباب بالمجلس العام لأبناء محافظتي سقطرى والمهرة سعد سالم بن كلمس أن التعليم في الجزيرة يفتقر لوجود كادر تعليمي متخصص في جانب المواد العلمية بل وشحه في عدد المعلمين حيثُ نجد في المدرسة الواحدة معلمون يحملون نفس التخصص ويقمون بتدريس مواد ليست من اختصاصهم، وبسبب قلة الإعداد للمعلمين يحملون المعلم حصص أكثر من طاقتهم.
ويتفق عضو هيئة التدريس بجامعة حضرموت ورئيس مؤسسة سقطرى للتراث الدكتور أحمد الرميلي مع كلمس وأحمد خالد ويتحدث عن ظهور مشكلة وهي عدم توظيف للمتخرجين حديثاُ في المجال التربوي منذ ٢٠١١م، وذلك لسد فجوة النقص الموجود في المعلمين رغم أن الخريجين محصورة تخصصاتهم في التربية الإسلامية والعربي، والإنجليزي وافتقار الجزيرة للتخصصات العلمية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء.
وأكد كلمس أن التحديات التعليم في أرخبيل سقطرى كبيرة ولإبقاء العملية التعليمية قائمة، يُجبر الطلاب على دفع رسوم شهرية تتراوح بين الخمسة آلاف إلى ثمانية آلاف ريال يمني، تُستخدم لسكن المعلمين وتغذيتهم ودفع رواتب العاملين والطباخين، حيث إن أغلب المعلمين قادمون من خارج الجزيرة.
ويشير كلمس إلى أن الرسوم تجبر بعض الأسر إلى عدم تعليم أطفالهم بسبب ظروفهم المعيشية، أو تعليم بعض أطفالها وحرمان الأخرين إذا كان لها أكثر من طفل.
تدخلات إماراتية وسعودية في التعليم في سقطرى
يقول الدكتور أحمد الرميلي في حديثة لمنصة أطفال اليمن أن الإمارات لعبت دورًا محوريًا في دعم التعليم في الجزيرة، حيثُ تعاقدت مؤسسة خليفة للأعمال الإنسانية مع العديد من المدرسين المحليين للعمل في الأرياف والمناطق النائية، أما بالنسبة للتخصصات العلمية التي لا يتوفر لها كوادر محلية، فقد جلبت المؤسسة مدرسين من خارج سقطرى، بما في ذلك مدرسين من مصر وحضرموت والمناطق الشمالية، برواتب مجزية، كما تدفع الإمارات رواتب شهرية للمدرسين بقيمة 200 درهم.
ويشير الرميلي أن مؤسسة خليفة قامت بترميم بعض المدارس وتأثيث البعض بالكراسي والأدوات المدرسية والإدارية وطباعة المناهج الدراسية، كما قامت بإنشاء مدرسة نموذجية قبل أربع سنوات بدأت كروضة أطفال وتوسعت لتشمل الفصول الأساسية حتى الصف الرابع، حيثُ أن طاقم التدريس في هذه المدرسة مكون بالكامل من نساء من خارج سقطرى، معظمهن من مصر.
ويتابع أما السعودية ركزت جهودها على سد النقص في المناهج الدراسية من خلال طباعة الكتب المدرسية، إلى جانب بناء حوالي عشر مدارس جديدة عبر البرنامج السعودي لتنمية وإعمار، هذه المبادرات ساعدت في تعزيز البنية التحتية للتعليم وتخفيف الأعباء على النظام التعليمي في الجزيرة.
ويؤكد الرميلي أنه ورغم الإيجابيات، كان للتدخل الإماراتي بعض الجوانب السلبية التي أثرت على التعليم في الجزيرة، أحد أبرز هذه التأثيرات هو عسكرة الشباب السقطري، حيث استهدفت مؤسسة خليفة الشباب الجامعيين، خاصة ذوي التخصصات العلمية مثل الرياضيات والكيمياء والفيزياء، وقامت بتجنيدهم في المعسكرات سواء داخل سقطرى أو في الإمارات هذا الأمر أدى إلى نقص في الكوادر المؤهلة في سوق العمل، ما أثر سلبًا على تلبية احتياجات التعليم في الجزيرة.
كما شملت عسكرة المدرسين أنفسهم، حيث ترك بعضهم وظائفهم التعليمية بحثًا عن دخل أعلى من خلال الانضمام للمعسكرات، هذا النزيف في الكوادر التعليمية أدى إلى تفاقم التحديات التي تواجه التعليم في سقطرى، وترك العديد من المدارس تعاني من نقص في المدرسين المؤهلين.