كيف أثرت الصراعات على صحة أطفال اليمن؟

فبراير 20, 2025 - 00:02
فبراير 20, 2025 - 00:02
 0  16
كيف أثرت الصراعات على صحة أطفال اليمن؟

منصة أطفال اليمن - هبة التعبي

يعيش الكثير من الأطفال داخل مخيمات النازحين في محافظة تعز, وفي داخل كل خيمة قصة مأساوية صنعتها الحرب, إلا أن الأطفال أكثر من ألقت الحرب عليهم أوزارها, يعيشون طفولة أبعد ما تكون عن مسمى الطفولة، رائد ذو الثمانية أعوام الذي يظل يراقب الأطفال وهم يلعبون من باب المخيم الذي بالكاد يقيهم من حر الشمس لكنه بلا شك لا يصمد أمام الأمطار التي تعتبر من الكوارث الموسمية التي تحمل لهم الخسائر والمرض. 

" بدأت معاناة رائد حينما ارتفعت حرارته وبدأ يشعر بآلام حادة في بطنه, نقلته إلى عيادة بسيطة داخل المخيم, وتم تشخيص حالته بالكوليرا, نتيجة شربه ماء ملوثة, الكوليرا هنا منتشرة بشكل كبير خصوصا بين الأطفال, وقد مات العديد منهم", يقول ياسر, والد رائد.

رغم تعافي رائد من المرض جزئيا بعد تلاقيه العلاج إلا أنه لم يعد الطفل ذاته المشاغب, ولم يعد كثير الضحك ومفرط الحركة, فهو يخاف أن يصاب بالكوليرا مرة أخرى لذا يظل منعزلا وصامتا, حسب ياسر.

منذ اندلاع الحرب في اليمن وسنوات الصراع الطويلة تعكس ملامحها على كل جانب من جوانب الحياة, مخلفة وراءها أزمة إنسانية تصنف كواحدة من الأسوأ في العالم, تسببت الحرب في إحداث دمار مخيف في جميع الأصعدة, إلا أن القطاع الصحي كان الأكثر تضررا, مع انهيار البنية التحتية, وتعطل النظام الصحي وتدمير المستشفيات والمراكز الطبية, وانقطاع حملات التطعيم, اصبحت الأمراض التي يمكن الوقاية منها تهديد حقيقي لحياة الأطفال, خصوصا في مخميات النازحين التي تضم 2.3 مليون طفل يمني نزحوا بسبب الحرب, يعاني معظمهم من الأمراض وسوء التغذية.


حياة مفقودة

" لقد تسببت الحرب في اليمن عموما وفي تعز على وجه الخصوص بواحدة من أسوأ الأزمات الصحية, الأطفال هم الضحية الأولى لهذا الوضع, حيث يعانون من أمراض يمكن الوقاية منها لو توفرت الرعاية الصحية اللازمة, نستقبل العديد من حالات متزايدة من سوء التغذية الحاد الذي يؤدي إلى ضعف الجهاز المناعي مما يجعله عرضة للأمراض أخرى كثيرة معدية وخطيرة مثل الكوليرا, الحصبة, الدفتيريا, السعال الديكي, وشلل الأطفال". يقول مرتضى الهويش وهو طبيب أطفال في تعز.

أكدت منظمة الصحة العالمية "اليونيسف" في أحدث تقرير لها أن اكثر من 2,7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد, وحذرت المنظمة من أن مليوني ومئتي ألف طفل مهددين بالأمراض بسبب سوء التغذية, بينما يعاني 49% من الأطفال دون سن الخامسة من التقزم أو سوء التغذية. 

وسجلت منظمة الصحة العالمية منذ 2023 وحتى سبتمبر 2024, حوالي 42,400 حالة إصابة بالحصبة بين الأطفال مع 514 حالة وفاة مرتبطة بها, كما سجلت حوالي 1400 حالة إصابة بالدفتيريا, و حوالي 6000 حالة سعال الديكي, كما سجلت المنظمة عودة لفيروس شلل الأطفال حيث تم تسجيل 928 حالة اشتباه بالشلل الرخو الحاد.

ووفقا للمنظمة عانى اليمن من أسوأ تفشي  لوباء الكوليرا في التاريخ الحديث, منذ 2016  وحتى الأن, فقد تم تسجيل أكثر من 2,5 مليون حالة اشتباه بالكوليرا, مع وفاة ما يقارب من 4000 شخص.

صحة منهارة

ويفيد الهويش, أن الأوضاع في المستشفيات كارثية, فهي تعاني من نقص حاد في الأدوية الأساسية والمستلزمات الطبية, فلا تستطيع المرافق الصحية استقبال جميع الأطفال المرضى في وقت انتشار الأوبئة والتي تزداد في موسم الأمطار, بالإضافة إلى انقطاع حملات التطعيم بشكل كبير, مما أدى إلى عودة ظهور أمراض كان يمكن القضاء عليها, مثل الحصبة والدفتيريا.

ويضيف الطبيب:" الوضع الصحي للأطفال معقدا بشكل مأساوي بسبب انعدام المياه النظيفة وانتشار التلوث, نحن بحاجة ماسة لدعم دولي لإنقاذ الأرواح وتحسين الظروف الصحية للأطفال الذين يواجهون يوميا خطر الموت بسبب الإهمال الصحي الناتج عن الحرب".

حسب منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 50% من المرافق الصحية في اليمن خارج الخدمة أو تعمل جزئيا, في الوقت ذاته يشير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة إلى أن النظام الصحي في اليمن بحاجة إلى دعم عاجل, إذ تواجه اليمن أزمة تمويل تهدد حياة مليوني طفل دون سن الخامسة.

كما تسبب القصف المستمر بتدمير البنية التحتية في زيادة التلوث الهوائي بسبب الغبار, الدخان, وحرق الوقود, والأطفال يتعرضون بشكل مباشر لهذا التلوث, مما يزيد خطر الإصابة  بالتهابات الجهاز التنفسي مثل الالتهاب الرئوي والربو, وفقا لمنظمة الصحة العالمية.

طفولة مفقودة

أمام عتبة باب منزلهم المتهالك الذي يتخذون منه حصنا من الرصاص العشوائية التي تخترقه  كالعادة, يجلس أحمد رزاز جلسة طفل متعب وعيناه غارقتان في الحزن, وجسده النحيل لا يتناسب أبدا مع طفل في العاشرة من عمره, حيث يبدو عليه نحيلا جدا ومرهق للغاية.

بدأت معاناة أحمد عندما أصيب بسوء تغذية حاد نتيجة نقص الغذاء, وهي مشكلة متفشية في تعز بسبب الحصار والقتال, حالته الصحية تدهورت سريعا, وأصبح يعاني من ضعف شديد في المناعة, لذا كان من السهل أن يصاب في الكوليرا المنتشرة بين أطفال اليمن بشكل كبير, خاصة مع غياب المياه النظيفة ونقص الخدمات الصحية.

" أريد أن أعيش مثل بقية الاطفال, ألعب وأخرج, أتمنى لو أكون قويا مثلهم, وأعود إلى المدرسة وأتعلم", يقول أحمد بصوت خافت, وهو ينظر لوالدته التي تكافح من أجل تأمين علاج له وتوفير قوت يومهم البسيط.

لم تقتصر معاناة أحمد على المرض الجسدي فقط, فالحرب والمرض تكاتفوا معا لترك أثار نفسية عميقة في نفسه, بات أحمد يشعر بالعزلة, خصوصا عندما توقف عن الذهاب للمدرسة, "أصدقائي لم يعودوا يزورونني, ولم أعد استطيع الخروج للعلب مع أطفال الحي, وبعض أصدقائي نزحوا إلى الريف".

قصة أحمد هي مرآة تعكس معاناة آلاف الأطفال اليمنيين الذين تحولوا من زهور للمستقبل إلى ضحايا حرب. فمن لم يصاب بالمرض أصيب بالحرب مباشرا, فمنذ اندلاع الحرب على اليمن, قتل وأصيب أكثر من 11,500 طفل لأسباب متعلقة بالحرب. بين هؤلاء 3900 قتيل و 7600 جريح وفق تقديرات " اليونيسف" حتى نهاية أذار 2024.

جهود إنسانية

يقول عبدالرحمن الشميري, الذي يعمل بأحد المنظمات الإنسانية في تعز:" بالنظر إلى الوضع الإنساني الكارثي في تعز, فإن المنظمات الإنسانية تبذل جهودا جبارة للتخفيف من معاناة الأطفال والأسر المتضررة من الحرب. المنظمات تعمل على تقديم الدعم الطبي والغذائي للأطفال الذين يعانون من سوء الغذائي والأمراض المنتشرة مثل الكوليرا والحصبة".

ويضيف بأنهم قاموا بتنظيم حملات تطعيم واسعة في المناطق التي تمكنوا من الوصول إليها, إلى جانب توفير الأدوية والمستلزمات الطبية للمستشفيات الميدانية والمراكز الصحية التي تعاني من نقص حاد في الموارد.

ويواصل الشميري:" هذه الجهود ما زالت غير كافية بسبب حجم الكارثة وانعدام الدعم الحكومي الفعال. نتواصل باستمرار مع السلطات المحلية لتحسين التنسيق وتوسيع نطاق المساعدات, إلا أن البنية التحتية المدمرة وانعدام الأمن يعيقان وصول الإغاثة إلى جميع المناطق. فنحن بحاجة ماسة لدعم دولي أكبر وتدخل مستدام من الجهات  الحكومية لإعادة بناء النظام الصحي وضمان توفير الحد الأدنى من الرعاية للأطفال الذين يدفعون الثمن الأكبر للحرب.

إن ما يعانيه أطفال اليمن اليوم من أمراض تودي بحياتهم وآلام ماهي إلا تعكس جزء صغير من المأساة الإنسانية الأكبر التي صنعتها الحرب, هؤلاء الأطفال الذين من المفترض أنهم يعيشون طفولة آمنة وسعيدة إلا أنهم وجدوا أنفسهم أكثر من يعاني في البلد من نقص الغذاء والدواء وتفشي الأمراض التي لا ترحم أجسادهم الصغيرة.

يجب أن يكون لإنهاء الحرب أولية عاجلة للمجتمع الدولي وكل الأطراف المعنية, لوضع حد لأعداد الضحايا المتزايد من الأطفال ولإنقاذ الطفولة ومستقبل الأمة. لابد من بناء سلام دائم يعيد للأطفال اليمنيين حقهم في الحياة, والتعليم, والصحة, بعيدا عن أهوال الحرب.