وداع صادق عبدالغني... حين تُغتال الطفولة والشباب في بيتها

أكتوبر 8, 2025 - 21:51
أكتوبر 8, 2025 - 21:54
 0  12
وداع صادق عبدالغني... حين تُغتال الطفولة والشباب في بيتها

وداع صادق عبدالغني... حين تُغتال الطفولة والشباب في بيتها

قصة : خالد الصرمي

من على مرتفعات مديرية المسراخ في عزلة الأقروض، وفي بيت فقد فيه الأمان كل معناه، رحلت وداع صادق عبدالغني ذات السبعة عشر عامًا.

لم تُدفن الطفولة معها، بل انتهت حياتها بين جدران البيت، في فناء صغير كما حدث مع شقيقتها الكبرى قبل عام، وكأن الأرض لم تعد تحتمل براءة أخرى.

وداع لم تكن مجرد مراهقة، بل شابة أنهت هذا العام مرحلة الثانوية العامة، وكانت تتطلع لمستقبل أفضل، تحلم بإكمال تعليمها وبناء حياتها.

كانت تكتب أحلامها على جدار غرفتها، وتخفي تحت وسادتها دفترًا صغيرًا كتبت فيه:

 “سأكبر، وسأكون شيئًا يفرح أبي.”

لكن الحياة لم تمنحها الفرصة.

انتهت أحلامها قبل أن تبدأ، وانطفأت ضحكتها قبل أن تتردد على العالم.

لم تُقتل مجرد فتاة، بل انتهت حياة مليئة بالبهجة والطموح، وبقي السؤال عن معنى الأبوة بلا إجابة.

تحت التراب، ترقد وداع، وصدى أنينها ما زال يدور بين الجدران، يذكّرنا جميعًا: كم طفلة وشابة يجب أن تُكسر قبل أن نفهم أن الصمت جريمة؟

الطفولة تُقتل مرتين

في قرية الصرم، رحلت وداع بعد تلقيها ضربًا مبرحًا من والدها، لتفارق الحياة، تمامًا كما حدث مع شقيقتها الكبرى قبل عام، وعلى يد الوالد نفسه.

يقول أحد أبناء القرية :

كأن الموت اتخذ بيتهم عنوانًا دائمًا. نفس القسوة، نفس الصمت، ونفس النهاية.”

البيت الذي تحول إلى خطر

البيت الذي يُفترض أن يكون ملاذ الأمان، تحول إلى مكان يهدد الأطفال. المصادر المحلية تؤكد أن الأب معروف بعنفه، وأن الأم لم تتدخل لإيقاف الجريمة.

في المنازل المجاورة، يخيّم الذهول، وتطرح الأسئلة نفسها:

ماذا جرى لقلب الأم؟ كيف يمكن للوالدين أن يصبحا قتلة لأولادهما؟ وأين الرحمة التي تجعل الإنسان إنسانًا؟

وإذا "وداع" سُئلت

بأيادي من قتلت؟ بأي جرمٍ وئدت؟

كيف نجيب نحن عنها؟ هل نلقي اللوم على والديها أم نحاول أن نكون أرحم مما كانوا؟

لم تُدفن وداع في المقبرة، بل دفنت في فناء البيت كما حدث مع شقيقتها الكبرى، وكأن الطفولة نفسها اختزلت في هذا الفناء.

كانت خطواتها الأخيرة على الأرض الطينية، وضحكتها الأخيرة المحبوسة بين الجدران، صدى صرخة لم يسمعها أحد، يذكّرنا أن الطفولة ليست جريمة، وأن الحلم لم يُخلق ليُقتل في مهد الحياة.

> احموا ما تبقى من الطفولة، قبل أن تُمحى أسماء جديدة من الذاكرة.

الستار الذي كشف الحقيقة

وداع كانت الستار الذي ستر الله لأجلها والديها وأمهلهم لعلهم يرجعون. لكن رصيد سترهم انتهى 

 فحين رحلت وداع، ظهرت المأساة كاملة: الضرب الذي قتل الضحكة، البيت الذي تحول إلى مقبرة، والأحلام التي لم تُكتب لها البداية.

وداع ليست مجرد خبر

وداع لم تكن مجرد رقم أو خبر، بل حلم توقف قبل أوانه وطموح لم يُكتب له أن يبدأ.

رحيلها ليس نهاية، بل بداية صرخة في وجدان المجتمع: لنحمي أطفالنا قبل أن تُمحى ضحكاتهم، ولنجعل كل فناء وكل غرفة وملعب مكانًا آمنًا لهم، لا مقبرة لأحلامهم.

في وداعها، في دموع شقيقتها الكبرى، وفي صمت القرى، هناك نداء واضح: لن نسمح لموت الطفولة أن يصبح أمرًا عاديًا.