تعليم الأطفال أثناء الحروب

فبراير 6, 2024 - 22:58
فبراير 6, 2024 - 22:59
 0  34

إن الحديث عن التعليم ضمن الحروب والصراعات المسلحة أو الصراعات منخفضة الشدة، كما هو توصيف الوضع اليمني الراهن، يجعل تناول أمر الصعوبات التي يواجهها الطفل عند معالجة مهارات القراءة والكتابة، والتعليم في عمومه، أكثر تعقيدًا مما لو كان السياق مغايرًا وخاليًا من العراقيل الإضافية. 

فبيئة التعليم في اليمن لم تكن نموذجية حتى ما قبل أحداث السنوات الأخيرة، وبها معضلات تتعلق بأدنى ما يسيِّر عملية التعليم وفق مواد قانونية ودستورية تجعل منه حقًا بديهيًا لكل طفل وأسرة في اليمن لإرساء العدالة الاجتماعية. 

وضمن تشتت حضور الدولة وتباين القوى المسيطرة، غير الشرعية، عبر مناطق الجمهورية يضع هذا تعليم الطفل في صفوف المعاناة المتقدمة بالضرورة. 

فيتطلب على إثر اشتباك المعضلات تدخلات ضمن مستويات عدة تمليها المعطيات المحلية واحتياجات المجتمع كما تقدمه بعض المشاريع المصغرة، وهي نماذج جيدة تكون حصيلة التكاتف بين الأفراد كما في الأرياف والسياقات حيث الالتفاف المجتمعي. 

وتظل مواكبة التعليم نحو احتواء وتشييد وتحقيق مشروع وطني جامع احتياجًا ملحًا، وتجدر الإشارة للدور المُقدم من قبل المنظمات الداعمة والمانحين على أن المخرجات المراد تحقيقها تتعلق برفع كفاءة الفرد اليمني ومؤسساته لا الاعتماد التام على ما تقدمه من برامج ومساعدات. 

سيتم العبور على أفكار تخص المُتجاذب حول مهارات القراءة والكتابة في هيئة تلامس قضية تعذر التحاق جميع الأطفال بالتعليم النظامي وارتباط القراءة باللغة المحكية والسياق الاجتماعي الثقافي رغم اختلاف اكتساب كلتيهما إلا أنهما تتقاطعان وترفدان بعضهما كذلك. 

تتجاوز مهارات القراءة والكتابة الأساسية هذه الثنائية في إطارها الجامد لتضم بعدًا اجتماعيًا مُعاشًا يضم مزاولة الفرد لهذه المعرفة ضمن المجتمع، وتتطور المعرفة لاحقًا لما يُعد كفاءة ذاتية واجتماعية. 

تأتي أيضًا أهمية القراءة والتعليم، بما في ذلك غير الرسمي، ضمن الأوضاع الحالية في اليمن وما شابهها في تشكيلها حالة حماية للطفل من تبعات عدم الاستقرار القائم، وهي أيضًا صورة أصيلة للتكافل، وأحيانًا جزء من التعافي عوضًا عن التهتك المجتمعي نتيجة الصراع والاحتراب، وأخيرًا فالهدف النهائي من القراءة هو رفع قدرة الفرد في استقراء العالم واستنباط الجوانب المعنوية للإرث الإنساني وثقافته 

ما هي القراءة والكتابة وصعوباتها؟ 
تتضمن مهارات القراءة والكتابة الأساسية فك الرموز اللغوية ودمج الأصوات وتفكيكها وعزلها أحيانًا ثم استيعاب المعاني المنبعثة من العبارات وسببية نظمها بالشكل التي هي عليه. 

وتتقاطع معها مهارة الكتابة التي تنطوي على التآزر البصري الحركي وقدراتٍ تبدأ بالكلمة الواحدة، ومن ثم بتركيب العبارة، وإدراك بنية النص إضافة لما سبق ذكره في القراءة. 

هذا كله تراكمًا نحو استقراء المحيط وفهمه عبر صنع معنى وتفسير يرتبط بطوامح القيم الأخلاقية والجماليات في المحيط المباشر يليه المجتمع الأوسع وإن كان التبادل الافتراضي في الوقت الحالي قد يَسَّر بابًا للتوسع في هذه المهارات، لكن تظل الأولوية للواقع المعاش حين يتعلق الأمر باختبار الأطفال لمعاني المقروء والمكتوب.

أما بالنسبة لما يعرف بصعوبات القراءة فهو مصطلح شامل لمجال تنضوي إليه أنواع من الصعوبات أوضحها، في المراحل الأولى، تتجلى في مشكلات الوعي والمعالجة الفونولوجية، أي أصوات اللغة الشفهية، وربطها برموزها المكتوبة على مستوى الكلمة الواحدة ثم مشكلات اللغة الشفهية وكذلك الطلاقة القرائية واستيعاب المعاني. 

وتكاد تُجمع التفسيرات النظرية والاصطلاحات، رغم اختلافها، على أن ارتباط وصف صعوبات القراءة هي استمرارها حتى بعد تقديم تعليم ذي جودة للطفل. أي أنه ليس بالإمكان إطلاق المصطلح السابق على الطفل قبل حصوله على تعليم يقدمه معلم متمكن ضمن خطة مدروسة ومتدرجة في بيئة تكاد تكون نموذجية غائبة في التعليم العمومي في اليمن.

ماهية جودة منهج القراءة بحسب السياق: 
ليس المراد هنا التوغل في أهمية التعليم العلاجي المتخصص لكونه مسارًا مطولًا يحصر الجانب العملي ضمن عدد أقل من الأطفال وقد يتعذر تحديدهم في ظل الوضع الراهن، ودور التدخل العلاجي يكون بعد تقديم منهاج جيد. 

كما أن جدليات التصنيف النفسي التربوي في السياقات الأكثر تقدمًا في التعليم لها عيوبها حيث اكتنافها على جدل يخص قواعد اللغة الانجليزية التي تختلف عن العربية في بنيتها وقواعدها الإملائية والنحوية. 

علاوة على أنها لا تخلو من سياسات متعلقة بصناعة القرار وتوزيع الميزانية أكثر من كونها منبثقة من جانب تربوي تعليمي خالص. وكثير ما يعقب الأمر ممارسات كرست التفاوت الاجتماعي والاقتصادي ضمن نيل الخدمات، هذا على سبيل المثال لا الحصر.

ولكن يأتي التوكيد هنا على أهمية جودة المادة المقروءة وتدرج المهارات عند تعليم القراءة واللغة، وذلك لمعالجة وتدارك الصعوبات التي قد تظهر ضمن نطاق أوسع عوضًا عن صرف الموارد في الاستقصاء عن المسببات عبر تقييم يلزمه مستوى معين من التأهيل.

ومهارة القراءة تراكمية بطبيعتها يصقلها التعرض الكافي للمادة المكتوبة، ومن بواعث نجاحها أن تكون مشتقة من البيئة المحلية لخلق تجربة واقعية للمتعلم. 

واللغة العربية بطبيعتها لغة صوتية تعتمد الحفظ والاسترجاع مما يشكل حافرًا لغويًا ثريًا للمتمعن في  التراث الشعبي اليمني وما على منواله من مواد لغوية. 

وعلى أهمية وجود مؤسسات تصنع رؤية وطنية موحدة داعمة لأهداف التعليم واستراتيجيات تحقيقها، تعمل على توفير فرص تعليمية متكافئة نحو تأهيل الصاعدين للمستقبل، وتوفير نفقات التشغيل ورفع كفاءة المعلمين ضمن استراتيجيات التعليم الوطنية، قد تشكل الحوائل دون تحقيق ذلك في اليمن، على صعوبة الأمر، دافعًا لإيجاد حلول بديلة وإدراج ممارسات على بساطتها لتعليم الأطفال القراءة والكتابة ضمن مجموعات صغيرة في المنازل كما فعل بعض المعلنين، أو ضمن مبادرات شبابية وإن تفرقت وكانت محدودة العدد، إلا أن بعضها وصل ببعض الأطفال حتى للالتحاق بالدراسة مرة أخرى.   

تكمن أهمية إيجاد هذه البدائل، وإن ظلت داعمة ولا تستبدل التعليم النظامي، في أنها تجاوز جزئي لمشكلات مثل اختلاف المناهج المطروحة بين المحافظات، وأدلجة المواد المقروءة كما فعلت جماعة الحوثي بتغييرها لمحتوى منهاج القرآن والعلم الاجتماعية لمرحلة التعليم الأساسي. 

وقد يشمل الأمر حتى المناهج القائمة على معايير "عالمية" لا تلبي الاحتياج المحلي منبثقة في الغالب من سياق لغوي واجتماعي مغاير.  

ثم هناك أمر مرونة البدائل التربوية كأسلوب تمكين ودعم مجتمعي خاصة للأطفال الأكثر عرضة للتسرب نتيجة قضاء زمن خارج مقاعد الدراسة أو النزوح أو واقع أسري يفرض العمل عليهم فيأتي اللحاق بالمتطلبات التعليمية أعسر مما لو لم تحدث تلك الفجوات الزمنية. 

ومن البدائل الممكنة، خاصة لمن يلزمهم إدراك زملائهم أن يتم إلحاقهم تعويضية تكسبهم مهارات القراءة والكتابة تفاديًا لتطاول مدة تعطيل الطفل عن مهارات التعلم الأساسية.

قد يُعتبر الخوض في أفكار تخص تعليم القراءة ضمن بدائل محدودة كمن يصف سديلة مؤقتة مقابل الأضرار الجسيمة التي طالت الحياة في اليمن عمومًا، لا سيما الطفولة والتعليم. وقد تبدو من زاوية أخرى أقرب لانتقالات بسيطة بأثر يتراكم مع الوقت محدثًا بعض التغيير برفع الوعي وإيجاد موضع أفضل لجيل يتناوله مستقبل غامض في ظل الخراب الواقع على العموم.

*مقال خاص بمنصة أطفال اليمن