العنف الأسري تجاه الأطفال في اليمن.. تساهل القانون ومباركة المجتمع
تقرير: أحمد عوضة
في الثالثة فجرًا هرعت بعض النسوة إلى المشفى، قاصدات قسم الطوارئ، وبين أيديهن صبي في الثانية عشرة من عمره، عليه أعراض تشنجات وآثار كدمات ارجوانية على جانبي وجهه وحول عينه اليسرى وأماكن مختلفة من جسمه.
بهذا الإيجاز يروي أحد شهود العيان الذي كانوا في المشفى حالة الطفل "إبراهيم. ي" (12 عامًا) الذي تعرض من قِبَل والده لظربٍ مبرح أفضى به نوبة تشنج وصعوبة في التنفس.
ما إن أسند مساعد الطبيب "إبراهيم" على السرير حتى أخذ يرعُف بغزارة، فيما أخذت والدته التي أحضرته مع بعض جاراتها تنْشُجُ بصوت كظيم.
ليس هذا سوى نموذج يتكرر يوميا عدة مرات في مناطق مختلفة من اليمن، فيما يتعلق بالعنف الأسري ضد الأطفال، الذي تبرره الأعراف والموروثات الخاطئة، والهامش القانوني الذي يترخص في هذا النوع من الجرائم ولاسيما حين تكون صادرة من الأبوين.
.
انتهاك البراءة بمبرر التربية
يُعرّف العنف، الأسرى ضد الأطفال، بأنه: كل سلوك أو تصرف يرتبط بالقوة أو الشدة أو الإساءة والعدوان موجه نحو الطفل وينطوي على أشكال من الإيذاء البدني واللفظي أو النفسي. وقد شهدت اليمن خلال السنوات الماضية زيادة كبيرة في معدلات العنف الأسري ضد الأطفال وصلت في بعض الأحيان إلى القتل العمدي، أو القتل تحت التعذيب، وخاصة من الفتيات بحسب بعض الدراسات الاجتماعية والمسوح الميدانية التي أكدت أن الفتيات هن أكثر الفئات عرضة للعنف الأسري.
يرجع ذلك -بحسب مختصين- إلى سيادة الأعراف والرواسب الاجتماعية الخاطئة التي تبرر ما يسمى بـ"جرائم الشرف"، التي في حالات كثيرة تمر دون عقاب، وفي أحسن الأحول تصل إلى الحبس المؤقت في حال جرائم القتل العمدي، وهو ما يعد انتهاكاً جسيمًا لحقوق الانسان والفطرة السوية.
أيضًا يعد الجهل ورسوخ التقاليد غير المسؤولة في تدعيم ظاهرة العنف ضد الأطفال، بصرف النظر عن تمايزهم الجندري (سواءً أكانوا من الذكور أم الإناث)؛ ذلك أن كثير من المجتمعات المحلية داخل اليمن وبالأخص التقليدية منها، تتعاطى مع العنف الأسري كأحد الحقوق المشروعة للعائلة تجاه أبنائها، تحت مسوِّغ الـ"ـتأديب" حسب الاصطلاح الدارج؛ وعليه تنشأ سلسلة متلاحقة من الانتهاك البراءة بأشكالٍ شتى.
وبهذا المفهوم، فمن حق الأب أو الأخ الأكبر أو العم، تقويم ما يبدو لهم خطأ في سلوكيات الأطفال باستخدام العنف، هذا على افتراض أن سلوك هؤلاء الأطفال المعنفين غير ملائم لتوقعات من هم أكبر سنا في العائلة، مع الإشارة أن غالبية الممارسات ضد الأطفال لا تأتي من تلقاء هذا المنحى بقدر ما تأتي من فهم قاصر من جانب الأسرة في التعاطي مع تربية الأبناء.
.
"فاقد الشيء لا يعطيه"
لا يقتصر العنف تجاه الأطفال على الايذاء الجسدي فقط، إنما يتخطى ذلك إلى البعد النفسي وهو لا يقل خطرًا عن الايذاء البدني، مع التأكيد أن هذا النوع الأخير قد يؤدي في بعض الأحيان إلى إصابة الطفل بعاهات مزمنة قد ترافقه طيلة حياته. تماما كما يترك ندوبًا نفسية تحقن قلب وتصرفاته باختلالات سيكولوجية عديدة قد يمتد تأثيرها على حياته كلها.
في السياق، تشير المختصة النفسية غيداء عبد الواسع، إلى أنه "كثيرًا ما يتم إغفال خطورة التمادي في كبت الطفل والتعامل معه بقسوة، ظنا أن الطفل لا يعبأ بالتقريع والاهانة، مع أن الحقيقة والعلم يؤكدان غير ذلك؛ فشخصية الطفل ومزاجه ونظرته للحياة تبدأ بالتشكل منذ سنواته الباكرة مرورًا بفترة المراهقة، وبالتالي فإن التعامل العنيف أو المهين مع الطفل، قد يترك ندوبًا نفسية يتعذر محوها، وقد تدفعه إلى أحيانًا إلى الانحراف والتمرد وربما ارتكاب جرائم".
تضيف: "حين نُصِرُّ على تبرير التعامل بقسوة مع الأطفال، لا ينبغي أن نلومهم بعد ذلك إن أصبحت لديهم ميول متطرفة أو إجرامية، فاللوم ينغي أن يوجه إلى المسؤول عن تلقينهم للعنف منذ مجيئهم إلى الحياة.. دائمًا نكرر "فاقد الشيء لا يعطيه".
.
هامش قانوني
البعد القانوني للظاهرة يكاد يكون غائباً، أو مغيبًا من الأولويات التشريعية في اليمن، التي تنظر إلى الظاهرة بشيء من التجاوز باعتبارها مسألة شخصية تخص الأبوين أو الاسرة، بصرف النظر عن مدى مشروعيتها من الناحية الإنسانية والحقوقية، حيث لا تنص أي من مواد القانون اليمني رقم 45 لـسنة 2002 بشأن حقوق الطفل، على منع وتجريم العنف الذي يمارس ضد الأطفال من قبل العائلة أو الوالدين تحت دعوى التربية وما إلى ذلك. إنما اقتصر على تكرار بديهيات أخرى من حقوق الطفل، كالحق في الحياة والتعليم والاسم والبطاقة.. ونحوها.