مكافحة الجوع وضمان عودة الأطفال اليمنيين إلى مدارسهم
متابعات / البنك الدولي
هل تتذكر يوماً نسيت فيه غداء المدرسة في المنزل أو لم يكن لديك وقت لتناول الإفطار؟ إن بعض الأطفال في اليمن يعانون من هذا الأمر كل يوم، ليس لأنهم ينسون طعامهم أو لأنهم يتأخرون في نومهم، ولكن لأنه لا يوجد سوى طعام قليل في المنزل أو لأنه غير موجود بالمرة.
يقول "سلمان محمد" وهو تلميذ في الصف الثاني الإعدادي بإحدى مدارس مدينة مأرب: "ذات يوم في المدرسة كنت جائعاً ومرهقاً للغاية. حاولت تحمل آلام الجوع، لكن الأمر كان بالغ الصعوبة. سألني زميلي في الفصل لماذا لم أكن أكتب أي شيء، قلت له ببساطة أنني لم أكن في مزاج جيد. لم أكن أريد أن يعرف أنني جائع حتى لا يقدم لي من عنده أي طعام. ولم أكن أريد الذهاب إلى المدرسة!"
في البلدان التي ضربها الصراع وما نتج عنه من تراجعٍ حاد في نشاطها الاقتصادي، يمثل الذهاب إلى المدرسة معاناة يومياً للعديد من الأطفال وأسرهم. وبالإضافة إلى الآثار المباشرة للجوع، هناك عواقب طويلة الأجل لتعطل التعليم سواء من حيث الإمكانات الاقتصادية والبشرية للبلد المعني.
هناك أكثر من 2.4 مليون فتى وفتاة في اليمن في سن الدراسة لكنهم غير ملتحقين بالمدارس، كما يحتاج نحو 8.5 ملايين طفل في سن الدراسة الابتدائية إلى مساعدات إنسانية. ويحتاج نحو ثلث السكان في اليمن إلى مساعدات غذائية وملابس. وتؤدي النفقات المطلوبة لتوفير الغذاء وغيرها من المصروفات المرتبطة بالمدارس إلى منع العديد من الأسر من إرسال أطفالها إلى المدرسة. بالإضافة إلى ذلك، فإن ثلث المنشآت والمرافق التعليمية في اليمن تعرض للأضرار أو للتدمير الكامل.
يهدف مشروع استئناف التعليم والتعلم إلى تحسين إمكانية الحصول على التعليم وتحسين ظروف التعلم في اليمن. ويقدم المشروع حزمة مساعدات مدرسية لأكثر من 1100 مدرسة في جميع أنحاء اليمن تتضمن أربعة عناصر رئيسية بالغة الأهمية لتحسين مستوى الالتحاق بالدراسة والانتظام الدراسي والتعلم، وهي كما يلي: (1) تقديم مدفوعات مالية للمعلمين تستند إلى الأداء والتدريب؛ و(2) توزيع مواد التعلم والمستلزمات المدرسية؛ و(3) رفع كفاءة البنية التحتية للمدارس، بما في ذلك مرافق المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية؛ و(4) توفير التغذية المدرسية. ويشترك في تمويل هذا المشروع كل من المؤسسة الدولية للتنمية والشراكة العالمية من أجل التعليم، كما يجري تنفيذه بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة إنقاذ الطفولة بالتعاون الوثيق مع وزارة التربية والتعليم اليمنية.
ويستهدف المشروع الوصول لنحو 600 ألف طفل في سبع محافظات يمنية. كما يستهدف المديريات اليمنية الأكثر احتياجاً، لاسيما تلك التي تستضيف الكثير من النازحين.
في إطار هذا المشروع يوفر برنامج التغذية المدرسية للأطفال وجبة خفيفة مغذية من قوالب التمر أو البسكويت عالي القيمة الغذائية ليتناولوها في أثناء يومهم الدراسي. ويتم إثراء الوجبة الخفيفة بالمغذيات الدقيقة والفيتامينات لتلبية احتياجات الأطفال طوال يومهم الدراسي. ويُعد تقديم وجبة خفيفة في الفصل حافزاً لعودة الأطفال إلى فصولهم الدراسية.
يقول "سلمان" إن أيام الدراسة باتت أفضل كثيراً مما كانت عليه في الماضي: "إنني متحمس للذهاب إلى المدرسة مبكراً للحصول على وجبتي الخفيفة وإشباع جوعي والتركيز جيداً في دراستي."
وفي هذا الصدد قالت آلمادينا موزيتش رئيس فريق العمل بالمشروع: "في اليمن وحيث تسبب الصراع في اضطرابات ودمار على نطاق واسع، يتخلف الكثير من الأطفال عن اللحاق بالدراسة كما ينقطع الكثير منهم عن الدراسة في المرحلة الابتدائية وهم غير قادرين على قراءة نص بسيط. إن التعليم هو الطريق الوحيد لتمكين الجيل القادم من المهارات والمعرفة والأمل الذي يحتاجون إليه لبناء مستقبل أفضل لأنفسهم ولمجتمعهم المحلي."
من ناحيته قال ريتشارد راغان، مدير مكتب برنامج الأغذية العالمي في اليمن: "إن تأثير التغذية المدرسية في اليمن ببساطة لا يمكن التقليل من قيمته. فملايين الأطفال هنا لا يملكون ما يكفي من الطعام، والأطفال الجوعى يكافحون للتعلم والنمو والازدهار. وهذا الأمر يعرض فرصتهم في حياة صحية ومنتجة للخطر. وبرنامج التغذية المدرسية يمثل عامل تغيير جذري، حيث يمنح الأطفال ما يحتاجونه من سعرات حرارية ومغذيات تساعدهم في التركيز في الدروس والأداء الجيد في المدرسة والتطلع لمستقبل أفضل."
ويمول مشروع البنك الدولي أيضاً برنامج المطبخ الصحي، حيث يصل إلى 4000 طفل في الأحياء الفقيرة في مدينة عدن بوجبات يتم تجهيزها وتقديمها وهي طازجة.
تعمل "ارتياح" في المطبخ المركزي للتغذية المدرسية منذ بدء عمله في عام 2020 وعاد أطفالها إلى المدرسة مرة أخرى.
تقول "ارتياح": "لقد أثرت الحرب علينا جميعا، الأغنياء والفقراء على حد سواء. وكان من الصعب إرسال أطفالي إلى المدرسة بسبب تكاليف طعام الإفطار ورسوم النقل والقرطاسية. ولم أستطع تحمل تلك التكاليف في معظم الأحيان، مما أجبرني على إبقائهم في المنزل. وقد اعتاد أطفالي أن يسألوني عما إذا كان لدي بعض العمل في الأيام المقبلة حتى يعرفوا ما إذا كانوا سيأكلون وجبة الغداء أم لا. وإذا لم يكن لدي أي عمل، قلت لهم أن يناموا، وعندما كنت أحاول إيقاظهم، لم يكونوا ليستجيبوا لأنهم كانون يعرفون أنه لا يوجد طعام."
وأضافت "ارتياح": "في البداية عندما كنت أطبخ في المطبخ الصحي كان الأمر أشبه بعمل عادي، لكن بعد أن ذهبت إلى المدارس لتوزيع الوجبات ورأيت سعادة الأطفال بوجباتهم، انتابني شعور مختلف. فقد وجدت أمهاتٍ مثلي تماماً أبقين أطفالهن في المنزل أيضاً لأنهن لم يستطعن توفير تكاليف وجبة الإفطار أو اللوازم المدرسية الأساسية."
ويحصل الأطفال الملتحقون بالمدارس التي تستفيد من برنامج المطبخ الصحي على شطائر الجبن أو الفول الطازج المطبوخ بالإضافة إلى الخضراوات والفاكهة. وتقوم "ارتياح"، ومعها أكثر من 100 من العاملين في المطبخ الصحي - 80% منهم من النساء - بإعداد وجبات الغداء المدرسية من الصباح الباكر حتى وقت الظهيرة. وتوفر المخابز المحلية الخبز كل يوم، كما يتم تدبير المواد الغذائية الأخرى من تجار الجملة المحليين، بينما يتم شراء الفاكهة والخضروات الطازجة مرتين أسبوعياً من الأسواق المحلية. تقول "ارتياح": "يقوم التجار المحليون ببيع كميات كبيرة مما يفيد الأسواق المحلية، حيث إنها لا تشهد في العادة بيع مثل هذه الكميات."
المصدر: البنك الدولي