شائعات تطال لقاحات الأطفال
بواسطة: شهاب العفيف
غالبًا ما تكون الشائعات التي تستهدف اللقاحات، ذات طابعٍ سياسيّ تُطلقها بعض القوى بفعل الصراع أو نتيجة التشوه الديني التي يُطلقها البعض بسبب نظرية المؤامرة، ولكن هذه الشائعات تُحدث بلبلة عند بعض الناس فتجعلهم يمتنعون من تلقيح أطفالهم، وهنا تكمن الخطورة.
سبق أن بدأت اليمن في عملية تطعيم الأطفال بشكل منتظم منذ عام 1996، عبر منظمة الصحة العالمية، دون تسجيل أي مخاطر لهذه اللقاحات، فيما أعلنت المنظمة ذاتها عن خلو اليمن من فيروس شلل الأطفال منذ 2006.
وأثارت جهات وشخصيات محسوبة على جماعة أنصار الله (الحوثيين) في صنعاء خلال الفترة الماضية، جدلًا واسعًا بعد تبنّيها فعاليات وحملة واسعة ضدّ لقاحات الأطفال واعتبارها مؤامرة وغير مجدية، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل عن السبب الذي جعل جماعةً ما تنظم ندوةً ضدّ اللقاحات بعنوان (اللقاحات ليست آمنة ولا فعّالة)، في هذا التوقيت تحديدًا، مع العلم أنّ اللقاحات ليست وليدة هذه اللحظة!
عودة وباء شلل الأطفال
في أغسطس/ آب من العام 2020، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن تفشٍّ جديد لفيروس شلل الأطفال الدائر المشتق من اللقاح (cVDPV1)، في اليمن، وقالت المنظمة أنّه تم تسجيل نحو 15 حالة مصابة بالفيروس في مديريات محافظة صعدة الواقعة تحت سيطرة "الحوثيين" (شمال غرب اليمن).
فيما أعلنت وزارة الصحة والسكان في العاصمة صنعاء، الواقعة تحت سيطرة أنصارالله (الحوثيين)، عن تسجيل 226 حالة إصابة بشلل الأطفال، جاء ذلك في تقرير للوزارة بشأن الأمراض والأوبئة خلال عام 2022.
وأضاف التقرير أنّه تم تسجيل 18 ألفًا و597 حالة بمرض الحصبة، تُوفّي منها 131 حالة، خلال العام الماضي، فيما بلغ أعداد المصابين بوباء الملاريا نحو مليون و136 ألف حالة، تُوفّيت منها 19 حالة، وحمى الضنك 28 ألفًا و157 حالة، تُوفيت منها 37 حالة، وعدد حالات التهاب الكبد الفيروسي "بي وسي" 20 ألفًا و248 حالة، توفيت منها حالتان، والتهاب الكبد الفيروسي "A وE" 14 ألفًا و39 حالة، والدفتيريا ألفًا و105 حالات، توفّيت منها 76 حالة.
في السياق، يقول نائب مدير التثقيف والإعلام الصحي بمكتب الصحة بمحافظة تعز، تيسير السامعي، لـ"خيوط"، إنّ الشائعات التي أطلقها روّاد مواقع التواصل الاجتماعي وجماعة الحوثي (أنصار الله)، ضدّ اللقاحات، قد أثّرت على بعض الناس في المناطق الشمالية من اليمن، ممّا أدّى إلى ظهور حالات شلل الأطفال والحصبة وغيرها من الأمراض في تلك المناطق، معتبرًا هذا الأمر كارثةً صحية وانتكاسة، خاصة بعد حصول اليمن على شهادة الصحة العالمية في عام 2006، لخلوها من مرض شلل الأطفال.
لا يمكن الوقاية من أمراض الطفولة القاتلة إلّا من خلال التحصين باللقاحات، وعندما لا يتم تطعيم الأطفال فإنّ حياتهم ومجتمعاتهم تتعرض للمخاطر الصحية.
ويوضح السامعي، أنّ مكتب الصحة بتعز، يقوم بجهود كبيرة لمواجهة هذه الشائعات، ومنع تأثيرها من خلال إقامة حملات تثقيفيّة للمواطنين بفاعلية وأمان اللقاحات، وأنّها كمثلها من العلاجات والأدوية المتواجدة في الصيدليات، وهو ما يجب أن تقوم به جميع مكاتب الصحة بمختلف المحافظات؛ لأنّ المسؤولية اجتماعية بالدرجة الأولى.
ويضيف السامعي: "يتطلب منّا الوضع الحالي إعادة وتكثيف حملات التحصين والتوعية حول أهمية اللقاحات ليعود الحال كما كان عليه سابقًا فيما بعد عام 2006"، مشيرًا إلى أنّ الحملات التي تنفذ من قبل وزارة الصحة ليست بديلة عن التلقيح الروتيني -اللقاح الذي يكون بالمراكز الصحية- لكنها تعتبر عوامل مساعدة لأخذ التلقيح.
انتشار شائعات مغرضة
وَفقَ أطباء ومسؤولين في القطاع الصحي وتقارير منظمات دولية، اطلعت عليها "خيوط"، يُعدّ الامتناع عن أخذ اللقاحات أو رفضها، كارثة صحية بحقّ الأطفال، قد تصل إلى الوفاة أو التخلّف الذهني أو إصابات بدنية مستديمة، وهو ما يسعى إليه ناشرو الشائعات والمعلومات المضللة والمغلوطة ضدّ أمان وفعالية اللقاح.
يؤكّد مدير برنامج التحصين بمحافظة تعز، الدكتور فهد النمر، خلال حديثه لـ"خيوط"، أنّ هناك دعاية مغرضة وشائعات من قبل بعض وسائل الاتصال، وروّاد مواقع التواصل الاجتماعي لغرض تشويش المواطنين وعدم قبولهم للقاحات، داعيًا جميع المواطنين لأخذ اللقاحات وعدم الاستماع للمُشوِّشين ومروّجي الشائعات، والرسائل التي تتسبب بحدوث اختلال في صحة المجتمع.
ويشدّد على أنّ هذه الشائعات أدّت إلى خفض المناعة المجتمعية والعزوف عن التطعيم في بعض المناطق؛ والتي ينتج عنها ظهور الأوبئة، مثل شلل الأطفال والحصبة والسعال الديكي، وكانت نتائجها وخيمة، ومنذ مطلع العام الجاري 2023، تُوفِّي 7 أطفال دون سن العاشرة، بمرض الحصبة فقط بتعز، وأنّ كلّ الحالات المتوفاة والمصابة كانت غير مطعّمة؛ بسبب رفضها للقاحات.
في فبراير/ شباط الجاري، أعلنت وزارة الصحة العامة والسكان التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، عن تسجيل أكثر من 200 حالة إصابة بفيروس شلل الأطفال في اليمن خلال العامين الماضيين؛ وتزايد أعداد الإصابة -بحسب الوزارة- في المحافظات الشمالية التي تسيطر عليها جماعة الحوثي؛ والتي تستند على الخرافات و"المؤامرة الكونية" لتبرير منع حملات تلقيح الأطفال؛ تؤكّد الوزارة.
وسجّلت إحصائيات، اطلعت عليها "خيوط"، تفشي الوباء -بحسب الوزارة- في (228) حالة شلل أطفال المتحور الثاني، في مختلف المحافظات اليمنية، خاصة الواقعة تحت سيطرة سلطة صنعاء.
في الصدد، يقول مدير إدارة الترصد الوبائي بمكتب الصحة بمحافظة تعز، الدكتور ياسين الشريحي، إنّ سبب انتشار شلل الأطفال المتحور الجديد؛ هو نتيجة مخالطة طفل غير مطعم لطفل آخر مطعم، فيصاب الأول بوباء شلل الأطفال المتحور.
ويوضح طريقة حدوث العدوى، أنّ "لقاح الشلل فمويّ ويمرّ بالأمعاء ويطرح مع البراز، ولكن يمرّ بمراحل وتغيرات وتحوّرات عدّة في أمعاء الطفل المطعم، وعندما يطرح مع البراز يسبب تلوثًا لطفل غير مطعم، فيصيبه بشلل رخو حادّ".
بحسب إدارة الترصد الوبائي، فقد تم تسجيل 48 حالة إصابة بمرض شلل الأطفال المتحور "الرخو الحاد" في محافظة تعز خلال العام الماضي 2022، فيما بلغت حالات الإصابة بالحصبة 751 حالة اشتباه، و74 حالة تم تأكيدها، فيما تُوفِّيت حالتان بعد أن تضاعفت أعراض الوباء فيها، وأنّ جميع هذه الحالات غالبًا غير مطعّمة باللقاح.
ويُعدّ التطعيم الخطَّ الدفاعيّ الأول للصحة، سواء على مستوى الفئة المستهدفة للأطفال دون العام، أو على مستوى المجتمع بشكل عام.
الوقاية من الوباء
يعتبر أطباء وخبراء منظمة الصحة العالمية، أنّ التحصين قصة نجاح علمية حقّقتها الصحة في مختلف دول العالم، حيث تقي اللقاحات من نحو 12 مرضًا، بينها أمراض قاتلة مثل شلل الأطفال، وفق حديث الدكتور النمر، إضافة إلى الحصبة، والدفتيريا، والسعال الديكي، والكبد البائي. إذ تحقّق هذا النجاح بفضل أهمية اللقاحات ورفع المناعة المجتمعية ضدّ هذه الأمراض القاتلة.
ولا يمكن الوقاية من أمراض الطفولة القاتلة إلّا من خلال التحصين باللقاحات، وعندما لا يتم تطعيم الأطفال، فإنّ حياتهم ومجتمعاتهم تتعرّض للمخاطر الصحية.
فيما يشير النمر إلى أنّه كانت بعض هذه الأمراض في القرون الماضية تتسبّب بوفاة ملايين الأفراد، لكن هذا العدد انخفض إلى الحدّ الأدنى، والفضل في ذلك يعود إلى اللقاحات والتطعيم.
وتشير التقديرات، بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، إلى وفاة طفلٍ واحد كلّ 10 دقائق في اليمن، بسبب الأمراض التي يمكن الوقاية منها عن طريق التطعيم.
وبحسب اليونيسف، بلغ إجمالي عدد اللقاحات 19,992,050 جرعة، وذلك خلال عامي 2020 و2021، ضدّ الأمراض التي يمكن الوقاية منها عن طريق التطعيم، ويشمل هذا الرقم: اللقاحَ ضدّ السلّ، ولقاح شلل الأطفال الفموي ثنائي التكافؤ، واللقاح الخماسي، ولقاح المكورات الرئوية، ولقاح الحصبة، والحصبة الألمانية، ولقاح فيروس الروتا، واللقاح المضادّ لفيروس شلل الأطفال، ولقاح الكزاز، والدفتيريا.
أنواع اللقاحات
تختلف اللقاحات باختلاف وظائفها وفاعليتها لكل وباء، فهناك مراحل متعددة يطعّم الطفل من خلالها منذ ميلاده، حيث إنّه يُلقح بأول جرعة تطعيمية خلال الـ24 ساعة عقب الولادة، وتسمى "الجرعة الصفرية"، يتم تطعيمها ضدّ التهاب الكبد الفيروسي (ب)، فيما الجرعة الثانية بعمر الشهر، وهي أيضًا صفرية، تُطعّم ضدّ مرض شلل الأطفال، وضدّ الدرن (السل).
والثالثة في عمر شهرين، وتسمى "الجرعة الأولى" وهي ضدّ شلل الأطفال، والتطعيم الخماسي الذي يجمع ضدّ كلٍّ من (الدفتيريا، والسعال الديكي، والتيتانوس، والتهاب الكبد الفيروسي (ب)، والإنفلونزا)، تُطعّم بطريقتين؛ تطعيم فموي، والحقن تحت الجلد.
بعدها يأتي التطعيم بعمر 4 أشهر، وهي "الجرعة الثانية"، وتشمل التطعيم ضدّ كلٍّ من شلل الأطفال، والتطعيم الخماسي، وفي الشهر السادس يتم تلقيح "الجرعة الثالثة"، وتحمل مضادات نفس الجرعة السابقة، أمّا في الشهر التاسع من عمر الطفل فيلقح "الجرعة الرابعة" وهي ضدّ شلل الأطفال، وأيضًا تحتوي على فيتامين (أ).
وفي عمر الـ12 شهرًا، "جرعة السنة" تطعم ضدّ وباء الحصبة، والنكاف، والحصبة الألمانية، والشلل، فيما تأتي أخيرًا من اللقاحات الروتينية في عمر السنة والنصف للطفل، جرعة تسمى "الجرعة المنشطة" ويتم فيها التطعيم ضدّ كلٍّ من شلل الأطفال، والدفتيريا، والسعال الديكي، والتيتانوس، والحصبة، والنكاف، والحصبة الألمانية، وتحتوي أيضًا على فيتامين (أ).
وبالنسبة للحملات التي تنفذ من قبل وزارة الصحة "من منزل إلى منزل"، فإنّ هذه الحملات تعتبر ضرورية من أجل إيصال اللقاح لكل الفئات المستهدفة، وهي ليست بديلة عن التلقيح الروتيني -الجُرع المذكورة أعلاه- حيث تعدّ عاملًا مساعدًا له، والهدف منها إيصال خدمة اللقاح لكلّ أطفال المجتمع.
*نقلاً عن منصة خيوط