شتاء مارب.. معاناة قاتلة للأطفال النازحين
توفي عدد من الأطفال وكبار السن النازحين بسبب البرد
منصة أطفال اليمن: تقرير خاص- أركان الوافي
لليوم الثالث على التوالي، لم يتمكّن الطفل سليم محمد (6 سنوات)، من الخروج لمشاركة أقرانه اللعب على الزحليقة الحديدية القريبة من خيمته.
تقول أم سليم، إن ولدها (سليم) يعاني حمّى شديدة بسبب نزلات البرد والزكام والتهاب اللوزتين، وهذه المرّة الثاني التي يصاب فيها بهذا المرض منذ دخول فصل الشتاء في مارب أواخر العام المنصرم. مضيفة أن بنية ولدها الضعيفة لا تستطيع مقاومة البرد، وفوق هذا يرفض الأكل، ويعاني الأرق بسبب الحمى والكوابيس.
تعيش أسرة سليم، بإحدى الخيام الشبكية وسط مخيم السيما للنازحين في عزلة آل راشد منيف بمديرية الوادي، غرب مدينة مارب. تم إنشاء المخيم بداية يناير 2021 على أرضية ملكية خاصة، يضم نحو ألفين أسرة مكونة من حوالي 10 ألف فرد، ومعظم الأسر تمتلك مأوى طارئ لا يحميها من حر الصيف اللاهب ولا من برد الشتاء القارس.
إضافة إلى سليم ووالديه، تعيش جدّته لأبيه في خيمة قطنية مجاورة، وتقاسي هي الأخرى أمراضاً مزمنة، مما جعلها أكثر تعرضاً لأمراض الشتاء، إلا أن إصابة حفيدها أنساها كل ما تعانيه وتقول إنه لم يعد يهمها إلا أن ترى سليم يركض بحماس نحو لعبة التزحلق.
تعيش الأسرة الصغيرة ظروفاً صعبة، فإضافة إلى المسكن البسيط والمتهالك، تعاني شحة الدخل وقلّة المساعدات الإغاثية والإنسانية، ما يدفع والد سليم لقضاء معظم يومه خارج المنزل في البحث عن عمل لتأمين قوت أسرته، فيما تتولى زوجته وأمه رعاية الطفل.
لا يختلف كثيراً وضع بقيّة الأسر النازحة في المخيم، سواء من حيث نوعية المسكن والغذاء ومصادر الرزق أو مستوى التأثر بعوامل الطقس والمناخ، فلا يوجد طفل داخل المخيم إلا وهو يعاني أمراض الشتاء أو تعافى منها لتوه بعد خضوعه للعلاج.
معظم هذه الأسر تعيش ظروفًا معيشية ومادية صعبة ولا تستطيع توفير متطلبات الشتاء من ملابس وفراش ووسائل التدفئة، وهذا يزيد من احتمالية تعرض أفراد الأسر النازحة للإصابة بالأمراض المتعلقة بالبرد، خصوصاً الأطفال وكبار السن والذين يشكّون نسبة كبيرة في المخيم.
وإضافة إلى الضغط المادي الذي يشكّله الشتاء وخصائصه القاسية على أرباب هذه الأسر النازحة، يشكّل أيضاً ضغطاً نفسياً هائلاً عليهم كونهم يجدون أنفسهم عاجزين عن حماية عائلاتهم من تداعيات فصل الشتاء، والأمر أسوأ بالنسبة للأمهات اللاتي يجبرن على السهر والتعب لرعاية الأولاد والمسنين. خصوصاً وأن المخيمات غير مجهزة بالمراكز الصحية المجهزة لمواجهة هذه التداعيات.
مخيم السيما، واحد من 204 مخيم للنازحين قائمة حالياً في محافظة مارب، يسكنها أزيد من 400 ألف نسمة. وبحسب تقرير الاحتياجات الشتوية الصادر عن الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين- مارب، في نوفمبر 2023، فإن من ضمن النازحين حوالي 43194 طفل دون سن الخامسة، و184120 بين 6- 18 سنة، و8740 فرد بين 60 سنة وما فوق.
الدكتورة معجبة المنصوري، طبيبة في الوحدة الصحية بمخيم السميا، قالت لمنصة "أطفال اليمن" إن "موجة البرد التي صاحبت فصل الشتاء هذا العام أثّرت بشكل كبير جداً على صحّة الأطفال وخاصة ذوي المناعة الضعيفة، كما أثرّ على النساء الحوامل". مضيفة أن توافد المرضى على المرفق الصحي أصبح تزايد بشكل كبير، رغم أنه يفتقر إلى أبسط الاحتياجات والأدوات الصحية.
تصف الدكتورة معجبة، الوضع الصحي في الشتاء بأنه "صعب". وتقول إن أمراض الصدر والربو والحميات والإسهالات وغيرها باتت منتشرة بشكل كبير بين الأطفال والنساء. وبات المرفق الصحي يستقبل كل يوم أكثر من 25 إلى 30 حالة مرضية من الأطفال ومثلها من النساء".
وعن تأثير هذه الأمراض على الأطفال، أوضحت أن هذا المخيم والمخيمات الواقعة في الصحراء عموماً تشهد وفيات من فئة الأطفال والنساء خلال أيام البرد الشديد التي تشهدها مخيمات النازحين في صحراء مارب التي تكون شديدة البرودة ليلاً وشديد الحرارة نهارًا.
وعن تأثير هذه التداعيات على النازحين نفسياً ومعنوياً، قالت إن "عدم قدرة النازحين على توفير المال لنقل مرضاهم إلي المستشفى يؤثر من الناحية النفسية والمعنوية على الأب والأسرة. مضيفة أن "بعض الأسر أصيبت بحالة نفسية لعدم قدرتها على توفير المال والاحتياجات اللازمة لنقل أطفالهم إلى المستشفى.
ومن أسباب زيادة الإصابة بالأمراض، أوضحت أن عوامل الطبيعة تؤثّر على صحة الأطفال بشكل مباشر لعدم وجود أي وسائل حماية من البرد أو الحر، وبالأخص طبيعة المساكن الهشّة المكونة من الخيام. واصفة هذه الخيام بأنها "مهترئة وغير صالحة للسكن".
من جانبه، وصف مساعد مدير عام الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بمأرب الدكتور خالد الشجني، أوضاع النازحين في المحافظة هذا الشتاء بأنها "مأساوية ومعاناه إنسانية مستمرة".
قال في حديث لمنصّة "أطفال اليمن": حاليا يعاني النازحون من شدّة البرد مع قدوم فصل الشتاء. يتواجد أكثر من 296 ألف أسرة نازحة جزء منها يسكن في مخيمات النازحين البالغ عددها 204 مخيم. يعانون شدة الاحتياج في كل المجالات خاصة مع الشتاء وقساوة البرد في المخيمات.
وأضاف أن أعدادًا كبيرة من الأسر تعرّض أفرادها لإصابات بسبب موجات البرد. مضيفاً أن السنة الماضية "شهدنا وفاة عدد من الأطفال وكبار السن بسبب البرد، وكان البرد سبب رئيس في وفاتهم وخاصة ذوي الأمراض المزمنة والأطفال المواليد".
وعن دور المنظمات الإنسانة، أوضح الدكتور الشجني، أنها تقدم حاليًا بعض المساعدات في جانب الحقائب الشتوية، لكنها قليلة مقابل الاحتياج الكبير جداً".
موضحاً أن النازحين يحتاجون إلي مأوى، وإلي تغيير المأوى ليكون أكثر صلابة لمقاومة الطقس الشتوي الشديد، وكذا حراره الصيف. كما يحتاجون إلى الملابس والحقائب الشتوية من البطانيات والفرش. إضافة إلى دفايات ووسائل التغلب على ظروف الشتاء خاصة داخل المخيمات ذات الخصائص الرديئة والمتهالكة.
عن الإجراءات الوقائية التي يمكن اتخاذها لحماية الأطفال، شددت الدكتورة معجبة، على ضرورة "توفير المسكن الملائم لهم والملابس الخاصة في الشتاء والأغذية المناسبة والمتنوعة، والمحافظة على الأطفال من الخروج في البرد وأوقات شديدة البرودة".
ودعت إلى الاهتمام بهذه المخيمات التي تكتظ بالأسر النازحة، والتي تعاني من الحالات النفسية والمعنوية والمادية وصعوبة الحالة لدى رب الأسرة بسبب البطالة وعدم وجود فرص العمل، موضحة أن أغلب الأسر لا تجد قوت يومها، ومن الطبيعي أن تجد أسر مصابه بالأمراض والوفيات أيضًا.