تدخين الأطفال.. خطر مُضاعف يهدد حياتهم
تدخين الأطفال.. خطر مُضاعف يهدد حياتهم
منصة أطفال اليمن: تقرير خاص- سماح عملاق
"كانت أكبر صدمة في تاريخ أمومتي منذ 15 عامًا" هكذا وصفت أم إياد (اسم مستعار) شعورها حينما وجدت طفلها وبيده سيجارة في أحد أزقة منطقة دار سعد بمحافظة عدن.
هنا عرفت الأم أن ابنها إياد (13 عامًا)، بدأ التدخين منذ ثلاثة أشهر، فقد كشف لها أسماء أصدقائه الخمسة الذين يدخن برفقتهم سرًّا، أكبرهم فواز (15 عاما).
تقول أم إياد لمنصة "أطفال اليمن"، إن ابنها كان- في كل- مرة يبرر رائحة الدخان بعذرٍ ما. في البداية كانت تصدقه، لكنها قررَت مراقبته لملاحظة سلوكيات غريبة بدأت تظهر عليه. وحينما فعلت انصدمت بالمشهد وسألت نفسها عدة مرات، هل هذا ابنها فعلا؟!.
انتشرت مؤخرًا ظاهرة التدخين بين الأطفال، وتتفاوت الأسباب والجذور حسب الحالات الفردية، في ظل غياب الجهود التي تدرس جذور هذه المشكلة، وصعوبة الوصول لأرقام الأطفال المدمنين للتدخين.
قصص من الواقع
"عشرات الفتيات القاصرات يجتمعن على النارجيلة "الشيشة" على مرأى ومسمع الأهالي، فأصبحت موضة بالنسبة لفتيات وفتيان الجيل، ولا بد من وقفة جادة للتوعية بأضرار هذه العادة في المدارس والأمسيات والمنازل نفسها"، تقول التربوية إشراق حكيم، من صنعاء.
ليس كل أولياء الأمور محظوظون وقادرون ومنتبهون لسلوكيات أطفالهم، والتساهل في رقابتهم يساعد الطفل على التأثر بالمحيط المضر لصحته. لهذا السبب بادرت أم إياد، لإبلاغ أمهات الأطفال اللاتي تعرفهنّ، محاوِلة الوصول إلى حل تربوي مشترك.
أخبرتها أم فواز( اسم مستعار)، بأنها لاحظت إدمان طفلها للتدخين، وتحاول ردعه سرًّا عن والده، خوفًا عليه من غضب الأب وعنفه الشديد، لكنها دون وعي وجدت نفسها تتستر عليه. فيما اتفقت معها أم رأفت (12 عامًا) على تدابير عاجلة.
الأمهات الثلاث اجتمعن لمعرفة الأسباب، وقد وفرن جوًّا مريحا للأطفال الثلاثة كي يدلوا بمعلوماتهم، وكانت النتيجة، حسب قولهن، إن فواز أحب تقليد ممثل أجنبي مشهور بشراء سيجارة. وقد رفض البائع في بقالة الحارة البيع، لكنه اشتراها من كشك آخر، بزعم أنها لوالده فأعطاه البائع، وبشكل عفوي قلده أقرانه، من بينهم أحمد (14 عامًا)، الذي يحاول تقليد والده المُدخّن، وسرقة السيجارة من جيبه.
منشأ العادة
وحول هذه الظاهرة، يقول الأستاذ المشارك في الصحة النفسية للطفل في كلية التربية بجامعة تعز البروفيسور جبريل البريهي، إن انتشار التدخين بين الأطفال مشكلة صحية واجتماعية خطيرة تستدعي من الجميع، في الأسرة والمدرسة والمجتمع التصدي لها، لما لها من أضرار على صحة الأطفال.
موضحاً أن هذه العادة "تبدأ في مرحلة الطفولة المبكرة، حيث يقلد الطفل سلوكيات الآخرين دون وعي منه، وتنتشر أكثر في مرحلة المدرسة".
ويعزي البروفيسور البريهي، انتشار الظاهرة إلى عدة أسباب أهمها: غياب الرقابة في البيت والمدرسة، وغياب القدوة الحسنة، وتقليد الكبار لاسيما الآباء المدخنين، والتدليل الزائد الذي قد يدفع الأبناء للتدخين كنوع من أنواع التسلية والتمرد على الأهل، إضافة إلى رفاق السوء.
مضيفاً أن عدم وجود رقابة على بائعي التّبغ، والخلافات الأسريّة التي تؤدّي إلى الطّلاق وتدمير الأسرة وما ينتج عنها من انحراف للأطفال، وغياب حملات توعية حقيقيّة للأطفال في المدارس بخطورة التّدخين ومضارّه تعد من أهم الأسباب.
فيما تقول أم رأفت، إن هنالك ألعابًا تزرع هذا الفضول للتدخين، فضلًا عن بعض السكاكر التي تُصنع على شكل سيجارة، وترجئ إليها أحد أسباب فساد الأطفال. لكنها رغم تركيزها على طبيعة ألعاب طفلها لم تسلم، كون الرفقة والانشغال عن الطفل بالعمل وهموم الحياة يسهم في ضياع الطفل. معبرة عن امتنانها لأم إياد التي نبهتها بوضع ولدها.
خطر مضاعف
يسبب التدخين أضرارًا صحية بالغة على الكبار، ومن المفارقات أن هذه التداعيات الصحية مسجلة على علبة التدخين نفسها من قبل الشركات المُصنّعة، (التدخين سبب رئيس لأمراض القلب والسرطانات وتصلب الشرايين)، لكن أخطارها ترتفع للضِعف بالنسبة للأطفال.
يقول بروفيسور طب الأطفال في جامعة حضرموت أ.د مازن أحمد جواس، إن أضرار التدخين والشيشة على الأطفال بالغة ومضاعفة؛ لأنها تؤدي إلى انخفاض وزن الأطفال ومتلازمة موت الرضيع المفاجئ.
إضافة إلى مشكلات في الجهاز التنفسي مثل الكحة المتكررة والتهاب الحلق والتهاب الشعب الهوائية. فضلًا عن تحسس الأنف والأنفلونزا المتكررة والتهاب الجيوب الانفية، وأمراض القلب والأوعية الدموية، أخطرها السرطانات.
يضيف البروفيسور جواس، أن حاسة الشم تتأثر عند الأطفال، وآذانهم وأعينهم تلتهب وتتعرض للعمى.
إضافة إلى الآثار المعرفية والسلوكية كانخفاض نسبه الذكاء، وانخفاض مهارات التعلم والمستوى الدراسي. مؤكدًا أن الشيشة أخطر من تدخين السيجارة، وأن الحجر الواحد يعادل علبتين من السجائر أو أكثر.
ينصح جواس، بالامتناع عن التدخين في أماكن وجود الأطفال، وتوعية الأطفال بضرورة الابتعاد عن الأشخاص المدخنين أو الذين يتعاطون الشيشة، والأهم منع بيع السجائر للأطفال عبر سن القوانين.
مسؤولية الوالدين
الاستشارية الأسرية شيماء شمسان، تشدد هي الأخرى على ضرورة إدراك الوالدين بأن الطفل يحاول تجسيد دور إنسان بالغ، وهذا الميل الفطري يستخدمه رفاق السوء لاستدراجهم نحو عادات مضرة أخطرها التدخين"
وتنصح، في حديثها لمنصة "أطفال اليمن"، الوالدين بتجنب الضرب والشتائم تمامًا، والتلميح بأضرار التدخين بصورة مجسدة وواسعة كزيارة أطفال مرضى، وتوضيح أن السبب هو الدخان في نقاش مفتوح أمام الطفل".
وتشدد على أهمية الوعي كي لا تتفاقم المشكلة. موصية بحضور دورات إرشادية ولو عبر الانترنت، ومراقبة محيط الطفل وصداقاته، وسحب الأولاد لدائرة صداقة حقيقية مع والديه، وشغل فراغ الطفل بأنشطة يميل لها طفلهم أيًا كانت، والتعامل معه كإنسان بالغ له خياراته وقراراته المستقلة، كي لا يضطر للبحث عن مكانته بين أصدقاء غير صالحين حينما يفتقدها داخل المنزل.
الوقاية والعلاج
يشدد البروفيسور جبريل البريهي، على ضرورة توفر رقابة الوالدين والمدرسة والتنسيق المستمر بينهم لصالح تقويم سلوكيات الطفل، إضافة لتوفير مرافق ترفيهية هادفة تشغل الطفل بما يفيده. داعيًا لسنّ قوانين وتشريعات تُلزم التجار بعدم بيع المواد الممنوعة والمضرّة بالأطفال.
ويشدد على أهمية تنفيذ حملات توعية وإرشاد من قبل وزارة الصّحة في المدراس بخطورة التّدخين وأضراره على صحة الأطفال، والتنسيق لها من واجبات الوزارتين الصحة والتربية والتعليم. مشدداً على مسؤولية وزارة الإعلام في مراقبة الوسائل التي تبثّ المواد الدّعائيّة التي تروّج للتّدخين في أوساط المجتمع.
من جانبها، تقترح شيماء شمسان، تنفيذ الرحلات العائلية، وانخراط الطفل مع مجتمع الوالدين الملائم لزراعة القيم، واكتشاف مواهب وميول الطفل وتشجيعها كالرسم والموسيقى والرياضة والقراءة.
إضافة إلى توفير الأجواء الملائمة لتنمية هوايات الطفل. مشددة على أهمية خلق مساحة واسعة للحوار داخل المنزل، والإجراءات التي من شأنها الوقاية والعلاج في الوقت ذاته.