أطفال اليمن.. انتهاكات متزايدة وقصور في آليات الحماية

نوفمبر 23, 2025 - 22:39
 0  4
أطفال اليمن.. انتهاكات متزايدة وقصور في آليات الحماية

تواجه الطفولة في اليمن واقعا حرجا، تكتنفه الكثير من التحديات والتفاصيل الصادمة، في ظل صراع مستمر لأكثر من عقد، تعرض خلاله الأطفال لأشكال الانتهاكات والحرمان والمعاناة التي ترافقت مع قصور في آليات وبرامج الحماية.

 ذلك ما كشفت عنه مؤخرا دراسة معمقة صادرة عن التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان حملت عنوان "العدالة الانتقالية وانتهاكات حقوق الأطفال في اليمن"، أكدت أن أطفال اليمن هم الفئة الأكثر تضرراً من أزمة إنسانية غير مسبوقة، جراء الصراع الذي تشهده البلاد.

يستعرض هذا التقرير أبرز ما تضمنته هذه الدراسة، التي اعتمدت على تحليل قانوني ومسح ميداني شمل ضحايا وخبراء وممثلين عن الأحزاب السياسية.

فجوة قاتلة 

الدراسة تدق ناقوس الخطر بشأن "فجوة قاتلة" بين الالتزامات القانونية وحماية الأطفال على أرض الواقع، مشددة على أن أي سلام مستقبلي لن يكتب له النجاح دون دمج قضايا الطفولة في مسار العدالة الانتقالية،

قصور قانوني يكرس الإفلات من العقاب

 الإطار القانوني والمؤسسي لحماية الأطفال في اليمن - وفقا للدراسة- يعاني من قصور هيكلي، فبالرغم من مصادقة اليمن على اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكول الاختياري بشأن إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة، إلا أن التطبيق الفعلي يظل ضعيفاً، يرى أكثر من ثلثي المشاركين في الدراسة وتبلغ نسبتهم (73.3%) أن الإطار القانوني الحالي يوفر الحد الأدنى من الحماية، ما يشير إلى وجود ثغرات تشريعية خطيرة، أبرزها: عدم وجود تجريم صريح وواضح لتجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشرة، وعدم تناسب العقوبات المقررة لجرائم مثل العنف والاستغلال الجنسي مع جسامة الجريمة، مما يساهم في ظاهرة الإفلات من العقاب التي أشار إليها 96.9% من المشاركين كسبب رئيسي لاستمرار الانتهاكات.

 كما أن تضارب النصوص المتعلقة بالمسؤولية الجنائية للأحداث يعيق تطبيق العدالة، إذ يشير التحليل القانوني إلى أن هذه الثغرات، بالإضافة إلى غياب التنسيق المؤسسي (80%) وتعطيل البرلمان، جعلت خطط الحماية "رهينة" لدعم المانحين، بشكل أضعف استقلاليتها وفعاليتها.

طفولة تحت القصف والتجنيد

توضح الدراسة أن الانتهاكات في اليمن تتخذ أنماطاً متعددة ومتباينة جغرافياً وسياسياً، لكنها تتفق في استهدافها المباشر للطفولة، ويتصدر التجنيد القسري قائمة الأنماط الأكثر انتشاراً، حيث أشار إليه 88.7% من المشاركين، ويتركز بشكل خاص على الأطفال الذكور في مناطق سيطرة الحوثيين.

و تلي هذه الانتهاكات جرائم القتل والإصابات المباشرة التي طالت 61.7% من الأطفال المتضررين، خاصة في مناطق الاشتباكات والقصف العشوائي.

إلى ذلك تكشفت الدراسة أن العنف الجنسي طال 51% من الأطفال المتضررين، وتعد الفتيات الفئة الأكثر تضرراً في هذا النوع من الانتهاكات الجسيمة، بالإضافة إلى ذلك، جرائم اختطاف 51.4% من الأطفال، وحرمان 35.3% منهم من المساعدات الإنسانية، خاصة في المناطق النائية أو الخاضعة لسيطرة متغيرة. 

وشملت الانتهاكات كذلك استهداف المدارس والمستشفيات بنسبة 50%، ووفقا للدراسة فإن مجمل هذه الانتهاكات تغذي حلقة مفرغة من العنف والصدمات، حيث أشار المشاركون إلى أن الفتيات هن الأكثر تأثراً بالانتهاكات الجسيمة، يليهن فئة الأطفال ذوي الإعاقة، ثم النازحون والمهمشون.

ويكشف هذا التفاوت عن أن عوامل مثل النوع الاجتماعي والموقع الجغرافي تزيد من هشاشة الطفل أمام الصراع.

 تأثيرات مستقبلية

 الآثار طويلة المدى تتجاوز تداعيات الانتهاكات المتمثل في الأذى الجسدي اللحظي لتشكل تهديداً وجودياً لمستقبل جيل كامل، وقد رصدت الدراسة الآثار على المديين القصير والطويل، حيث تتصدر الصعوبات النفسية قائمة الآثار، تليها الآثار الجسدية على المدى القصير، وفقدان فرص التعليم والعمل على المدى الطويل. 

توقعت الدراسة أن اضطراب العلاقات والعزلة الاجتماعية تزيد من خطر الانخراط المحتمل مجدداً في العنف في المستقبل، وتعد هذه الآثار، وخاصة الصعوبات النفسية المزمنة، تؤكد أن الأطفال المتضررين بحاجة ماسة إلى دعم نفسي واجتماعي مكثف، وبرامج إعادة إدماج فعالة لكسر دورة العنف.

العدالة الانتقالية: الفرصة الأخيرة لإنصاف الطفولة

تخلص الدراسة إلى أن نجاح أي مسار للعدالة الانتقالية في اليمن مرهون بمدى قدرته على دمج قضايا الطفولة، مؤكد أن المواقف السياسية تجاه العدالة الانتقالية "منقسمة"، حيث يرى البعض ضرورة التوثيق وجبر الضرر، بينما يظل إدماج قضايا الأطفال في أجندة المصالحة والتسويات السياسية موضع خلاف.

التوصيات الرئيسية

 للتحقيق: يجب أن تكون العدالة الانتقالية صديقة للطفولة، ولهذا يجب على الحكومة اليمنية إجراء إصلاحات تشريعية عاجلة لتجريم تجنيد الأطفال بشكل صريح ومراجعة العقوبات، حيث يجب إنشاء آليات محاسبة مستقلة وفعالة، مع ضمانات للاستقلال المالي والإداري وحماية الشهود والضحايا، وعلى صعيد الدعم، يجب أن تكون خدمات الدعم النفسي والاجتماعي وإعادة الإدماج مكوناً أساسياً ومستداماً، يستهدف الفئات الأكثر هشاشة وعلى رأسها الفتيات والأطفال ذوو الإعاقة.

إن الدراسة تدق ناقوس الخطر، مؤكدة أن "إنصاف الطفولة يمثل شرطاً لبناء سلام عادل ومستقبل مستقر"، وتدعو المجتمع الدولي والأطراف المحلية إلى تحمل مسؤولياتهم التاريخية تجاه جيل يدفع ثمناً باهظاً لصراع لم يكن له يد فيه

المصدر: دراسة "العدالة الانتقالية وانتهاكات حقوق الأطفال في اليمن" (2025