اتساع ظاهرة عمالة الاطفال في اليمن
اتساع ظاهرة عمالة الاطفال في اليمن
منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) وصفت وضع الأطفال في اليمن بأنهم "يُسلبون من مستقبلهم"، بسبب أكبر أزمة إنسانية تشهدها بلادهم، حسب بيان صدر عنها في مطلع العام 2023، أكدت فيه أن 23.7 ملايين يمني يحتاجون إلى مساعدة، بينهم 13 مليون طفل.
في 2014، قبل اندلاع الحرب، كان الأطفال المنخرطون في سوق العمل بمختلف المهن، يقدر عددهم بنحو مليونين خمسمائة ألف طفل ممن هم تحت سن الثامنة عشرة، هذا العدد تضاعف حاليا أربع مرات، بحسب تقارير منظمات دولية وأخرى محلية.
الزيادة ناتجة عن تداعيات خلفتها الحرب على صعيد الاقتصاد والمعيشة واتسعت ظاهرة عمالة الاطفال في اليمن خلال السنوات الاخيرة، حيث افادت تقارير لمنظمات حقوقية محلية أن نسبة عمالة الاطفال اليمنيين تتجاوز حالياً أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب السعودية، بسبب ما أرجعته إلى تداعيات وآثار الحرب والحصار المفروضين وتردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية.
الحرب اليمنية التي اندلعت في العام 2014، وتداعياتها التي أشاعت الفقر في أرجاء البلاد التي يسكنها وفق تقديرات غير رسمية ما يربو على 32 مليون نسمة، أسفرت عن تزايد كبير في أعداد الأطفال المنخرطين في شتى الأعمال، والتي يشكل بعضٌ منها خطراً عليهم مثل بيع الوقود، والحدادة، والميكانيك.
يرى الباحث الاجتماعي وأستاذ علم الاجتماع في كلية التربية في جامعة عدن علي زين أن الحرب التي زادت من دائرة الفقر خلقت أيضاً وضعاً جديداً في المجتمع اليمني، لا سيما في الجزء الريفي منه، يتمثل في تفاقم ظاهرة عمالة الأطفال.
ويقول لرصيف22: "الفقر ليس السبب الوحيد، بل ساهمت في ذلك إلى جانبه البيئة الاجتماعية السائدة، وغالباً ما تُرصد هذه الظاهرة في المجتمعات الأقل مدنيةً، لأنها جزء من ثقافتها".
وأشار إلى أن الوزارة كانت تنظم قبل نشوب الحرب حملات توعية بخصوص عمالة الأطفال في اليوم العالمي لمكافحة هذه الظاهرة، الذي يصادف في 12 حزيران/ يونيو من كل سنة، وإلى أن ممثلين عن الوزارة كانوا يراجعون جهات معنيّة في عدن، بالتعليم والصحة والعمل والجمعيات الأهلية، لمناقشة وضع الأطفال وتشجيع تلك الجهات للعمل على مكافحة عمالة الأطفال، هذا فضلاً "عن إقامة احتفال خاص في عدن بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال، وطباعة بوسترات خاصة بالمناسبة، لكن الحرب أوقفت تلك الإجراءات".
وكانت منظمة العمل الدولية قد بدأت، في العام 2000، بمشروع للقضاء على عمالة الأطفال في اليمن، تضمّن مراحل متعددةً أولها توفير الدعم التقني بشأن توعية المجتمع للوزارات والمنظمات والجمعيات المعنية المحلية بغية الوصول إلى شراكاتٍ وتهيئة البيئة قبل الشروع في تنفيذ باقي مراحل المشروع.
وكان من ثمار ذلك توقيع الحكومة اليمنية اتفاقيتين، تحملان الرقمين 138 و182، وتأسيس لجنة ثلاثية لعمل الأطفال، لاعتماد خطة عمل وطنية وتحديد قائمة بأسوأ أشكال عمل الأطفال في البلاد.
المرحلة الثانية بدأت في العام 2005، وقامت منظمة العمل الدولية خلالها بتنفيذ عشرة برامج، تركزت على تطوير الوحدات المختصة بمكافحة عمل الأطفال في كل من وزارة العمل ومنظمات المجتمع المدني، ودعم خطة العمل الوطنية، وتأسيس ثلاثة مراكز تأهيل للأطفال العاملين في صنعاء وعدن وحضرموت، بهدف إعادة الأطفال إلى المدارس أو توفير تعليم بديل لهم وتأهيلهم مهنياً.
البرنامج امتد لغاية العام 2010، وشرعت المؤسسات الحكومية بعدها في حملة لمكافحة عمالة الأطفال، غير أن الحرب وتداعياتها عطلتها، وهذا ما تؤكده مديرة وحدة مكافحة عمالة الأطفال في وزارة الشؤون الاجتماعية في عدن، منى البان.
وتقول البان لرصيف22 إن الوزارة نفّذت في العام 2010، وبتمويل من منظمة العمل الدولية واليونيسيف والصندوق الاجتماعي للتنمية، مسحاً شاملاً للأطفال على مستوى الجمهورية للفئة العمرية من خمس سنوات إلى 17 سنةً، وأعلنت في 2013 النتائج التي أظهرت وجود "مليون و614 ألف طفل عامل للفئة المذكورة"، وهو الرقم الوحيد الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء، وفقاً لمنى البان، التي تتوقع أن يكون الرقم قد تضاعف الآن.
وأضافت أن الوزارة وضعت في تلك الفترة تعليمات وقرارات حددت بموجبها لائحةً بالأعمال المحظورة على الأطفال العاملين تحت سنّ الـ18، وقامت بتوزيعها على الجهات الحكومية كافة، مثل الداخلية والإعلام والمساجد ووزارة الأوقاف ومنظمات المجتمع المدني.
ونجحت تلك الإجراءات، حسب ما تقول، في سحب أكثر من 90 ألف طفل كانوا يعملون في ظروف خطرة وإعادتهم إلى المدارس. واستدركت قائلةً: "كانت الظاهرة تنحسر، وكنا على وشك المضي إلى أبعد من ذلك، غير أن اندلاع الحرب وتهدّم المدارس وكثرة النزوح أدت إلى فقدان الأطفال مقاعد الدراسة وكثيرون منهم فقدوا معيليهم، لتتفاقم ظاهرة عمالة الأطفال".
في مدينة الحديدة غرب اليمن، يعمل الشقيقان محمد وبشير الحسامي (11 سنةً و12 سنةً)، خمس ساعات في اليوم كمعدل وسطي، في محلٍ لحياكة أثواب يمنية تقليدية تُسمّى "المعاوز"، في وسط المدينة، ويتقاضيان معاً أجراً يومياً يصل إلى 1،000 ريال (أقلّ من دولار في مناطق سيطرة الحوثيين)، ومع أنه غير كافٍ لتلبية احتياجات أسرتهما، إلا أن والدتهما تقول إن "الأجر القليل أفضل من مد اليد لسؤال الناس".
ويرى زين أن من حسن الحظ وجود عائلات يمنية تحرص على إبقاء أطفالها ضمن نطاق التعليم، حتى وإنْ كانت قد اضطرت إلى الزجّ بهم في الأعمال، ويرجع ذلك إلى "إيمانها بأن التعليم مقدسٌ في الحياة، لذلك هي ترفض تسرّبهم من المدارس تحت أي ظرف حتى وإنْ كان الفقر المدقع"
في سنٍ لا يتعدى 11 عاماً، وجد "قابيل" نفسه في مواجهة مصاعب الحياة، تاركاً مدرسته ومعها كل أحلام الطفولة، حيث اضطرته الظروف المعيشية الصعبة لقضاء اغلب ساعات يومه في أحد شوارع صنعاء لمحاولة بيع ما تيسر من خضروات، من أجل إعالة أسرته.
ويقول قابيل في صنعاء: انا تركت الدراسة عندما كنت في الصف الثالث وانا اعمل منذ 5 سنوات اعمل بالعربة، لاساعد والدي في المصاريف، لان ليس لدينا راتب ولا اي مدخول آخر.
الظروف نفسها هي من دفعت الطفل "عثمان" ليتحمل المسؤولية مبكراً من خلال العمل في ورشة لصيانة السيارات، وهي مهنة تحتاج إلى الكثير من التعب والجهد.
ويقول عثمان انا اعمل في محل لإصلاح اطارات السيارات لمساعدة ابي في اعالة اسرتي ولدي اربع اخوة، وتركت الدراسة في الصف الاول الثانوي.
هذه النماذج تحكي معاناة وواقع عشرات الآلاف من الأطفال اليمنيين مع اتساع ظاهرة عمالة الأطفال في البلد خلال السنوات الأخيرة.. ظاهرة يعيدها المختصون إلى الحرب الدائرة وتداعياتها وما رافقها من حصار خانق وتردٍ معيشي، ووضع اقتصادي متدهور وارتفاع لمعدلات الفقر، وكذا انقطاع المرتبات، وفقدان الكثير من العائلات لمصادر دخلها، إضافة إلى حالات النزوح والتشرد.
ووفق تقارير حديثة لمنظمات حقوقية، فإن نحو مليون و400 ألف طفل يمني هم أعداد الاطفال المنخرطين في أعمال متعددة، يشكل بعض منها خطراً على حياتهم، ناهيك عن حرمانهم من التعليم وأدنى استحقاقات الطفولة، إضافة إلى ما قد يلحق بهم من صدمات نفسية.
تنامي ظاهرة عمالة الأطفال في اليمن، هي واحدة من دلائل عديدة على الواقع المأساوي لشريحة تُعد من أكثر الفئات تأثراً وتضرراً، في ظل تقارير دولية تتحدث أن نحو 11 مليون طفل يمني باتوا بحاجة ضرورية للحماية والدعم.
وتكشف صحيفة اندبندنت عربية عن اتساع ظاهرة "عمالة الأطفال" في اليمن، وتتفاقم كل يوم، حتى أصبح من المعتاد مشاهدة الأطفال "باعة متجولين" في الشارع في أوقات الدراسة، حاملين عبوات المياه وأدوات الزينة وما يتوقعون أن يستهوي المسافرين والزوار.
المشاهد من ذلك النوع باتت جزءاً من حياة اليمنيين، فلا تخلو الحدائق والأماكن العامة من الأطفال، أمثال رهيب ووهيب، الشقيقين اللذين يقومان ببيع الماء على قارعة الطريق في أحد شوارع مدينة مأرب، شرق اليمن، من الصباح حتى المساء يومياً، تحت درجات حرارة تفوق 40 مئوية.
وكانت أسرة الطفلين تسكن ريف العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ومع مضايقة الميليشيات والدهما الذي كان أحد منتسبي القوات المسلحة اليمنية وضيق المعيشة وانقطاع الرواتب، قررت العائلة النزوح إلى محافظة مأرب، التي استقبلت معهم ملايين اليمنيين النازحين الفارين والباحثين عن الحياة، وباتت المدينة التي لا ترفض من فر إليها ملجأ اليمنيين الأخير، في تلك الناحية من البلد المنكوب.
ويرافق عديد من الأطفال آباءهم في المتاجر أو بسطات الباعة المتجولين لساعات طويلة من أجل الحصول على بضعة آلاف من الريالات، التي دفعتهم لترك دراستهم ومساعدة آبائهم على أعباء الحياة القاسية.
ظروف "رهيب" و"وهيب"
وأسهم عديد من العوامل في تنامي ظاهرة عمالة الأطفال بفعل الحرب والصراع الدائر في اليمن وانقطاع رواتب الموظفين المدنيين وفقدان الآلاف أعمالهم ووظائفهم، في حين يتمدد الفقر والجوع والبطالة وانهيار الأمن الغذائي ليشمل معظم سكان البلاد.
يقول "رهيب"، البالغ من العمر 10 أعوام، إنه يحصل على 6 آلاف ريال يمني كربح يومي صافٍ، أي ما يقابل (6-10 دولارات)، حسب تقلبات أسعار العملة المحلية، مقابل العمل لأكثر من عشر ساعات، من أجل مساعدة عائلته
ويضيف شقيقه "وهيب"، البالغ من العمر 13 عاماً، "نحن هنا نبيع المياه من أجل مساعدة أبي في مصروفات البيت. كنا ندرس قبل النزوح، لكن الآن نحن متوقفون منذ عام ونصف العام في انتظار ملفات الدراسة ليأتي بها أحد أقاربنا لنتمكن من الالتحاق ومواصلة الدراسة هنا في مأرب".
أما والدهما حسين أحمد، فيقول إن ظروف الحياة والنزوح قاسية وتستدعي التعاون لتجاوز المعاناة، مؤكداً أن "وهيب" و"رهيب" سيعودان إلى مقاعد الدراسة في بداية الفصل الدراسي الجديد.
قصور منظمات الإغاثة
يقول الناشط الحقوقي علي التام رئيس منظمة حماية للتوجه المدني، إن المنظمات الدولية تتحمل مسؤولية قانونية، فضلاً عن مسؤوليتها الأخلاقية تجاه الأطفال بشكل عام، وخصوصاً عمالة الأطفال التي لم تقدم المنظمات العاملة في المجال الإنساني أي إجراء يُذكر للحد منها أو معالجة أسبابها.
وأضاف، "نرى مستقبلاً صعباً يواجه الأطفال هنا، ونتمنى من الجهات المعنية أن تراجع حساباتها مع هذه المنظمات في بروتوكولاتها، وأن تعمل على تفعيل دورها للحد من ظاهرة عمالة الأطفال، ولو نسبياً".
حددت منظمة الأمم المتحدة يوم 12 يونيو/حزيران من كل عام ليكون اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال، وفيه تقام فعاليات حول العالم بمشاركة الحكومات ومنظمات المجتمع المدني، للتنبيه على ضرورة مكافحة الظاهرة، والتأكيد على استراتيجيات العمل للقضاء عليها.
المصدر: الحوار المتمدن-العدد: 7713 - 2023 / 8 / 24 - 10:06